من يقول ان الأسعار الاسترشادية التي أعلنتها الحكومة اليوم منافية لمبادئ حرية التجارة. أحسبه لا يدرك حقيقة الاقتصاد الحر الذي يتعامل بتفعيل قوي السوق من عرض وطلب لأن أبسط بديهيات العمل بهذا الأسلوب الاقتصادي هو ان الدولة تلعب دور المنظم والرقيب ولها الحق في أن تتدخل لضبط الأسواق في حالة ادراكها بأدواتها ان هناك "تلاعبا" أو انحرافا عن المسار الصحيح المحدد وفق القوانين الاقتصادية. ولو لم تتدخل الدولة في الوقت المناسب لأصبح من حق الشركات أن تغش أو أن تحتكر سلعا بعينها لكي تعظم من فوائدها بل من حق الدولة أيضا أن تمنع ما شاءت من واردات إذا اكتشفت ان هناك شبهة إغراق لسلعة محددة بمعني أن تقوم الدولة المصدرة لنا باتخاذ إجراءات لتخفيض أسعار السلعة التي تصدرها لمصر حتي نستوردها أرخص من السلعة المحلية وبالتالي يحدث التدمير للمنتجات المحلية وتصاب ببوار في الأسواق. وإذا لم يكن من حق الدولة التدخل فيصبح من غير المنطقي أن ننشئ أجهزة مثل جهاز المنافسة ومنع الاحتكار الذي يختص بخلق مناخ تنافسي داخل الأسواق يضمن لكل تاجر أن يعمل ويكسب دون مغالاة في أرباحه ودون احتكار لسلعة لأن الاحتكار يعني فساد المنافسة وفساد الأسواق معا وضرب لفكرة وروح التجارة الحرة. بل والأخطر من ذلك ان الاحتكار نفسه تضيع معه حقوق المستهلك "الناس" التي هي الأساس في العملية التجارية وأعتقد ان حالة الركود التي تشهدها الأسواق حاليا سببها الرئيسي الجشع الانساني الذي أصاب بعض التجار فظنوا ان الدولة في حالة حرب مع الارهاب وان الأجهزة الرقابية مشغولة بتلك الحرب وان التاجر لو رفع الأسعار فلن يروعه أحد. وحقيقة الأمر هي ان الدولة ليست بغائبة وان استمرار التجار علي منهجهم سيدفع حتما الدولة إلي المزيد من الاجراءات التي تكفل تصحيح الأسواق وهو التعبير الأكثر دقة في التعامل مع فكرة التسعيرة الاسترشادية أو طرح سلع ومنتجات للمواطنين بأسعار مخفضة عن تلك التي يبيع بها التجار. وحجة التجار في ذلك جاهزة وهي ان أسعار النقل مرتفعة وان هناك انفلاتا أمنيا واسطول النقل يخشي العاملون فيه من التعدي وسرقة السيارات. وهذا كله مردود عليه بأن أسعار النقل لم يحدث فيها تغيير لأن السولار متوفر في محطات البنزين وبالأسعار المدعمة وبالتالي لم يطرأ علي تكلفة النقل أي زيادة. أما خوف أصحاب السيارات من الانفلات الأمني فهذا حق يراد به باطل لأننا لم نسمع عن لصوص سرقوا سيارة فاكهة أو خضروات أثناء قدومها من الصعيد إلي الوجه البحري. إذن التوصيف الحقيقي لما نشهده في السوق هو حالة من الجشع لدي التجار أدت إلي بوار السلع والركود في الأسواق نتيجة امتناع الناس عن الشراء وبالتالي فعلي التجار أن يعودوا إلي المبدأ القديم للتاجر الشاطر "وهو بيع كثيرا واكسب قليلا تكسب كثيرا" وأعتقد ان ذلك المبدأ كفيل بالمساهمة في عودة الأمور تدريجيا إلي مسارها الصحيح في الأسواق وإلا فالحكومة لن يرحمها الناس إذا تركت التجار يزدادون جشعاً.