عندما كانت ابنتي في المرحلة الإعدادية من التعليم كانت قد لبست الحجاب بمحض اختيارها دون أن أطلب منها ذلك.. كانت مقتنعة بما تفعل لأن ذلك هو الوضع الصحيح الذي يتفق مع قيم ومبادئ الإسلام.. خاصة انها كانت ملتزمة بأداء الصلوات الخمس منذ مرحلة التعليم الابتدائي. وعندما وصلت إلي المرحلة الجامعية كانت ابنة عمها التي تقترب منها في العمر لم تزل حاسرة الرأس.. ولأن والدها كان متوفيا طلبت مني ابنتي أن أقنعها بلبس الحجاب باعتباري ولي أمرها. ولكن اقنعت ابنتي بأن أترك لها الحرية في ذلك حتي تقتنع ذاتياً بارتداء الحجاب.. وقلت لابنتي إنني لو ضغطت عليها ربما تلبسه كارهة وهذا ما لا أريده حتي لا ترتد عن لبسه بعد ذلك.. وكانت نظرتي صحيحة لأن ابنة أخي تحجبت بعد ذلك بمحض اختيارها. ما قصدته من هذه الرواية أن أقول إن المد الديني الإسلامي بمعناه الوسطي الصحيح كان يتغلغل في أبناء الشعب المصري رجالاً ونساءً.. شباباً وشابات في العقود الثلاثة الأخيرة لأنه دين الفطرة الذي ارتضاه الله للناس. لم تكن هذه الظاهرة التي تبدت في انتشار لبس الحجاب والاقبال علي العبادات نتيجة لدعوات من جماعة معينة ولا من فصيل يرفع شعارات دينية ولا بدافع من جماعة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إنما كانت لوقفة كل فرد مع نفسه ومراجعة صلته بربه وعودته إلي طريقه المستقيم. في الفترات السابقة علي ثورة 25 يناير كان الناس عامتهم وخاصتهم ينظرون إلي رجال الدعوة الإسلامية نظرة ثقة وتقدير واعجاب.. لأن دعوتهم كانت نابعة من القلب فكانت تدخل إلي القلوب مباشرة.. كانت دعوة لا تلفها أهداف سياسية ولا أغراض خاصة. لن ننسي ولن ينسي الناس فضيلة الإمام الراحل الشيخ محمد متولي الشعراوي ودروسه الروحانية التي كانت تغذي نفوسنا بزاد التقوي.. ولن ننسي غيره الكثيرين من الدعاة الأجلاء ومن بينهم فضيلة الشيخ محمد حسان والدكتور عمر عبدالكافي قبل أن يغمسا دعوتهما بالسياسة التي أفسدت الجميع. كان الناس ينظرون إلي اللحية قبل 25 يناير كرمز إسلامي محبب. وينظرون بإجلال لأصحاب هذه اللحي لأنهم كانوا علي طريق الدعوة الإسلامية الخالصة لوجه الله.. فلما كثرت اللحي "السياسية" بعد الثورة واختلطت بالدعوة إلي العنف والتعصب والتحزب انعكست الأمور. وبدلاً من أن تكون هذه اللحي عامل جذب تحولت إلي عامل طرد.. بل لعامل نفور بسبب ما صدر عن حامليها من فتاوي وآراء صادمة للناس. كانت هناك صحوة إسلامية طبيعية تجلت في مظاهر كثيرة بين المصريين قبل 25 يناير.. انتشرت الأعمال الخيرية بأشكال متعددة ومتنوعة.. وحدث توجه إسلامي عام نتيجة لتجذر هذا الدين الحنيف في نفوس الناس. لكن هذه الصحوة حدث لها رد فعل سلبي عندما اصطدمت بظواهر دينية مفتعلة أثارت النفوس وجعلت الناس يفكرون.. بل يتشككون في مصداقية كل أصحاب هذه اللحي. وكل من مزج الدين بالسياسة.