الثبات علي الحق من سمات أهل اليقين الذين يتحملون المشاق الصعبة خلال مسيرتهم في هذه الحياة. النور امتلك كل جوارحهم ويتجلي ذلك عندما تعترضهم ظروف صعبة فها هي رملة بنت أبي سفيان المسلمة الصابرة المهاجرة مع زوجها عبدالله بن جحش تعيش مع أخوتها وأخواتها من المسلمين المهاجرين إلي الحبشة تحت رعاية النجاشي وأم حبيبة تراقب حياة زوجها لكنها تلحظ أن هناك تغيرا بدأ يطرأ علي مسيرته فباتت في إحدي الليالي وبالها مشغول بهذا التغير وإذا بها تفاجأ بأن تري رؤيا افزعتها فأقلقت منامها حيث وجدت صورة عبدالله قد أصبحت سيئة لكنها استيقظت وطلبت من الله أن يكون ذلك الذي شاهدته في نومها مجرد خواطر لا تنعكس علي مسيرة حياتها وتضرعت إلي الله بأن يهييء لزوجها من أمره رشدا حتي تتربي حبيبة في حضن والديها هادئة متمتعة بحياتها في هذه الأسرة المستقرة. وبعد أن استيقظت في الصباح عقب هذه الرؤيا إذ بها تفاجأ بأن أحوال زوجها قد انقلبت إلي النقيض فقد انتهي إلي مسامعها أنه وجد النصرانية هي خير دين مشيرا إلي أنه كان قد تركها وانضم إلي دين الإسلام استجابة لدعوة محمد صلي الله عليه وسلم لكن بعد تفكير وروية قد اهتديت إلي العودة للنصرانية. إلا أن الزوجة المسكينة قالت له: راجع نفسك فذلك ليس خيرا لك. ثم أخذت تقص عليه تفاصيل الرؤيا التي افزعتها لكنه لم يلتفت إلي أي كلمة حق تقولها. وأخذ يشرب الخمر بشراهة أفقدته صوابه وظل يمارس هذه العادة حتي رحل عن الدنيا وترك هذه الزوجة وابنتها في بلاد الهجرة دون رجل تعيشان تحت رعايته فازداد حزنها وأخذت تتأمل هذه الظروف التي اعترضت مسيرتها وعادت إلي ذهنها تلك الصورة التي رأتها في منامها وقد ازدادت مخاوفها فأخذت تحتضن حبيبة وتتضرع إلي الله أن يهييء لها من أمرها رشدا وأن يمن عليها بفرج يبدل أحزانها أفراحا فهو سبحانه القادر علي كل شيء ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا وكظمت أم حبيبة غيظها وتطلعت إلي فرج رب العباد. ظلت أم حبيبة متمسكة بمباديء الدين الحنيف ترعي ابنتها وتمضي تدبر شئونها بكل نفس راضية وتردد قول الله تعالي: "إن مع العسر يسرا" فهل ليتفضل عليها رب العالمين بهذا اليسر قريبا استمرت في طريقها صابرة محتسبة أجرها من هذا التعب عند الله وظلت علي وفائها لزوجها طوال أربعة أشهر وعشرة أيام لكنها بعد انتهاء هذه الفترة التي أذنت بانقضاء عدتها من زوجها عبدالله بن جحش. في صباح أحد الأيام عقب انتهاء العدة فوجئت أم حبيبة بسيدة تدعي "ابرهة" وهي التي تتولي شئون ملابس النجاشي تدخل عليها مسكنها وهي متهللة الوجه فرحة وتزف خبرا سعيدا لأم حبيبة وقالت في نبرة فرح إن رسول الله- صلي الله عليه وسلم- قد بعث برسالة إلي النجاشي يطلب منه أن يزوجك من الرسول وهنا انفرجت أسارير أم حبيبة وقالت لأبرهة بشرك الله بكل خير ووعدتها بهدية إن تحقق ذلك واستعادت مرة أخري قول الله تعالي: "إن مع العسر يسرا". وسط هذه الأفراح التي أحاطت بأم حبيبة. إذ انتهي إلي مسامعها أمر حديث ابرهة الذي تضمن أن الملك يريد أن توكلي من يتولي زواجك من الرسول وفي فرحة غامرة بعثت إلي سعيد بن العاص برسالة تشتمل علي توكيله في هذا الزواج السعيد وفي ذات الوقت قدمت لابرهة هدية عبارة عن سوارين من فضة وخواتم من فضة أيضا ومضت الأوقات سريعة وأعلن النجاشي مراسم هذا الزواج بين جميع المهاجرين ومن بينهم جعفر بن أبي طالب ثم خطب النجاشي خطبة أعلن خلالها قيمة المهر وهي عبارة عن 400 دينار ثم أقيمت وليمة هذا الفرح ومن هذا انضمت أم حبيبة إلي أمهات المؤمنين وسبحان مغير الأحوال ولنا عودة إلي أم حبيبة لنري تفاصيل أخري.