جريمة القتل التي وقعت في "زاوية أبومسلم" التابعة لمركز أبوالنمرس أثارت القلق وحركت المشاعر نحو هؤلاء الذين أقدموا علي ارتكاب هذا الحادث المروع. الجناة ارتكبوا أبشع الوسائل في قتل الضحايا الأربعة.. وليت الأمر اقتصر علي ذلك وإنما تجردوا من المشاعر الإنسانية حيث قاموا بالتمثيل بالجثث وسط استياء أهالي القرية من العقلاء فقد أصابتهم الدهشة من هول هذه المفاجأة المذهلة. ومما ضاعف من حجم هذه المأساة الإنسانية أن هذا الحادث البشع سابقة خطيرة في تاريخ المصريين لأنهم لايعرفون القتل علي أساس المذهب أو العقيدة فقد عاشوا قرونا طويلة في تآلف ومودة واشتهروا بين دول العالم بأنهم يعيشون في محبة مع الذين يخالفونهم في العقيدة أو المذهب فقد استوعبهم المجتمع وأصبحوا مضرب الأمثال في الحياة معا دون النظر إلي الاختلاف في الدين أو المذهب. كل حر في اختيار عقيدته لا غضاضة في ذلك.. تري الجميع في تآلف في كل المناسبات التي تجمعهم. الأكثر أهمية أنه في ظلال الإسلام بعد فتح مصر ازدادت هذه الروابط قوة ودعما لأن مباديء الدين الحنيف أعطت لكل إنسان قدره وقيمته دون النظر إلي عقيدته"ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم علي كثير ممن خلقنا تفضيلا" فكل البشر في إطار هذه المباديء سواسية لا تفضيل لإنسان علي آخر فالكل ينتمي لآدم وآدم من تراب. كما أن الإسلام حرم قتل النفس البشرية تحت أي ذريعة من الذرائع ودون أي سبب من الأسباب وقد حدد الإسلام الأسس التي تضع الضوابط والقواعد لكل من يرتكب هذه الجريمة كما وضع الأسس الثابتة في حالة الحرب بين المسلمين والمشركين كل واقعة بقدرها وفي سورة النساء آيات أوضحت الخطوط الفاصلة وما يترتب علي ذلك من حقوق سواء كانت جريمة القتل قد ارتكبها مسلم ضد مسلم أو ارتكبها مسلم ضد من يخالفه في العقيدة إذ حرمة الدماء مقدسة في إطار قيم الدين الحنيف. وقد شدد الإسلام علي ضرورة حماية النفس البشرية من أي اعتداء عليها "ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق" وحذر النبي صلي الله عليه وسلم من ارتكاب هذه الجريمة حيث أوضح أن حرمة النفس البشرية أشد عند الله من الكعبة وذلك صيانة لبني الإنسان كما أنها بين مسلم وأخيه شديدة الحرمة "ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما" النساء الآية 93 وذلك تحذير من الخالق سبحانه تقديرا لحرمة الدم وحماية للمسلم من أخيه الذي يتعمد الإقدام علي هذه الجريمة النكراء. وللأسف استشرت الخلافات المذهبية بين المسلمين هذا سني وذاك شيعي وآخر سلفي شيعا وأحزابا وقد اشتدت ضراوة الخلافات بين طائفتي السني والشيعي بصورة أكثر شراسة ولم يلتفت أي واحد إلي أن ذلك الاختلاف المذهبي لا يتيح إزهاق نفس المسلم تحت أي سبب من الأسباب فقد ينطبق عليها قول الله الذي أشرت إليه آنفا في آية سورة النساء. ولا شك أن إقدام البعض علي قتل من ينتمون إلي مذهب الشيعة جريمة ترفضها قيم الإسلام وتلحق العقاب في الدنيا والآخرةلكل من اقترفها وتلاحق المتهمين بارتكاب هذه الجريمة عقوبة أشد لأنها اقترنت بالتمثيل بالجثث فالإسلام قد حذر مشددا من هذا التمثيل ورسول الله صلي الله عليه وسلم نبه إلي ذلك موجها إلي ضرورة الإقلاع عن هذه العادة السيئة التي تنبيء عن غل وحقد يغلي في الصدور. حقيقة لقد كانت تعليمات رب العالمين صريحة وواضحة في هذا المجال فها هو سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم حينما وقف علي جثة عمه حمزة بن عبدالمطلب يوم أحد وقد مثل به المشركون بعد استشهاده غدرا وغيلة وقد حزن الرسول حزنا شديدا وقال في غضبه: والله ياعمي لو أقدر في الله عليهم لأمثلن بسبعين منهم فنزل قول الله تعالي: "وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين". ولا شك أن قتل أربعة من الشيعة في زاوية أبومسلم رغم بشاعته وانطوائه علي خلافات شديدة لمباديء الإسلام إلا أن هذه الجريمة سوف تشعل نيران الفتنة الطائفية والمذهبية وهي أشد ضراوة في تأجيج الأحقاد في نفوس أهالي المجني عليهم وذلك يستتبع ضرورة ملاحقة الدولة للجناة وإنزال أقصي عقوبة في إطار الأدلة وتحقيق دفاعهم كما يجب علي علماء الأزهر والمفكرين تنظيم لقاءات وندوات للتوعية بخطورة الخلافات المذهبية وتوضيح كل التداعيات التي تعقب هذه الجرائم ولابد من سد الذرائع التي تفتح الباب للفتن التي يكتوي المجتمع بنيرانها ولتكن المودة والمحبة هما أهم الروابط بين المسلم وأخيه المسلم دون نظر إلي اختلاف المذاهب فلكل من قال لا إله إلا الله فقد عصم نفسه ودمه وما جري في زاوية أبومسلم يجب أن يكون أهم دافع لتحرك العلماء والحكماء ولإطفاء نيران هذه الفتنة الغريبة علي المجتمع المصري وتقع علي هؤلاء الرجال مسئولية التحرك بفاعلية والتأكيد علي أن اختلاف المذاهب لا يؤدي إلي إفساد علاقات المودة والمحبة بين أبناء الملة الواحدة إن في ذلك لذكري لمن كان له قلب أو ألقي السمع وهو شهيد وبالله التوفيق.