لم تكن أزمة تعيين النائب العام الأخيرة هي الأولي في تاريخ القضاء المصري الحديث.. بل حدثت عدة أزمات خصوصا في عهد الملك فاروق.. يقول حسن يوسف وكيل الديوان الملكي في كتابه "القصر".. إنه في 24 سبتمبر سنة 1943 اقترحت حكومة الوفد ترشيح سيد بك مصطفي وكيل محكمة النقض رئيسا لها.. وفي اليوم التالي صدرت موافقة الملك.. ولكن الحكومة عادت وتراجعت عن هذا الترشيح واتصل الدكتور محمد صلاح الدين سكرتير عام مجلس الوزراء في ذلك الوقت بديوان الملك قائلا إن الحكومة عدلت عن ترشيح سيد بك مصطفي واقترحت أمين أنيس باشا رئيس لجنة قضايا الحكومة رئيسا للمحكمة.. وأدي اليمين القانونية أمام الملك بالفعل. ومع نهاية شهر أكتوبر قدم ثلاثة من مستشاري النقض استقالتهم احتجاجا علي تعيين أنيس باشا رئيسا للمحكمة ولم تكن هناك أسباب واضحة لهذا الاحتجاج لأن أقدميته بين رجال القضاء وكفاءته تؤهله لهذا المنصب.. وعلي أثر استقالتهم تحدد لهم موعد لمقابلة الملك. وعندما عرضت الوزارة ترشيح ثلاثة من المستشارين بدلا من الذين استقالوا.. أجل الديوان الموافقة علي هذا الترشيح وفي تلك الأثناء - كما قال حسن يوسف - خلت في أقلام قضايا الحكومة "مجلس الدولة فيما بعد" ثلاث وظائف لمستشارين ملكيين.. واتجه رأي الديوان لتعيين مستشاري النقض المستقيلين في هذه الوظائف الشاغرة. ولكن وزير العدل صبري أبوعلم باشا.. قال إن هذه الوظائف من اختصاص رئيس الوزراء.. وتعليق إصدار الحركة القضائية علي تعيين هؤلاء المستشارين الثلاثة أمر محرج جدا.. خصوصا وأن الحركة القضائية أرسلت إلي القصر منذ 23 أكتوبر.. واشتعل الموقف تأزما لدرجة أن الوزارة استعانت بالسفير البريطاني لكي يتوسط لدي القصر للإسراع في إصدار الحركة.. خصوصا وأن مجلس القضاء الأعلي وافق عليها وبالتالي لا يجوز إجراء أي تعديل فيها من قبل القصر وذلك طبقا لقانون استقلال القضاء.. وصدرت الحركة بالفعل يوم 22 يناير سنة 1944 بعد أن تعطلت أكثر من ثلاثة أشهر. وحدثت أزمة أخري مع بداية عام 1950 إذ طلبت الوزارة الوفدية من الدكتور عبدالرازق السنهوري رئيس مجلس الدولة أن يستقيل من منصبه بحجة أنه كان قبل ولايته لهذا المنصب وزيرا حزبيا. وكان الغرض من إقصائه تعيين أحد أتباع الحكومة.. ولكن الجمعية العمومية لمجلس الدولة قررت في أول فبراير 1950 عدم شرعية طلب الحكومة. وهكذا لم تكن أزمة تعيين النائب العام هي الأولي. ولكن كما ذكر التاريخ.. كانت هناك أزمات أخري.. وكلها خاصة بالتعيينات.