مشاكلنا.. وما أكثرها.. وكثرتها لم تأت فجأة أو تهبط ببراشوت.. كما حدث لغيرنا.. ولكنها مشاكل متراكمة عبر زمن طويل.. وفي كل عصر تزداد المشاكل وتتعمق إما بالوقيعة والدسائس كما كان يحدث أثناء الاحتلال البريطاني وما بعدها وطوال عهود الحكم المختلفة تزداد الأمور تعقيدا.. وكلما أرادت الدولة أن تدخل بثقلها لبحث المشاكل الداخلية يأتي من يفرض عليها أمورا أخري خارجية تنغمس فيها ويتباطيء حل المشاكل الداخلية.. وهكذا مضت الأحوال ومشاكلنا الحالية ليست وليدة الحاضر ولكنها جاءت لعدة أسباب منها الانفاق الضخم علي اصلاح ما أفسدته السنوات السابقة خصوصا بالنسبة للمرافق ومنها زيادة عدد السكان ربما تصل الي الضعف عما كان عليه قبل ثلاثين عاما.. ولم تقم الحكومات المتعاقبة بالاستفادة بزيادة هذه الطاقة البشرية ولم تحاول استثمارها ولم تحسب حسابا لكي تنطلق التنمية بأشكالها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بنفس درجة زيادة السكان يضاف الي ذلك عدم تنفيذ المشروعات الواردة في الخطط أو تنفيذها بأي اسلوب وأي كلام..!! وكذلك ما يقال عن خراب الذمم لدي البعض مما يجعل الناس تتحدث وتتحدث وبالتالي تكثر الشائعات ورغم كثرة مشاكلنا وتشعبها إلا اننا نختلف عن غيرنا وهذا الاختلاف قائم منذ زمن بعيد ونتذكر ان العالم كان يتوقع أن تقوم مصر بالحرب في سنة ..1967 وتناولت صحف العالم استعدادات مصر القتالية والواقع اننا لم نكن مستعدين وفي سنة 1973 سخر العالم من اننا سنقوم بالحرب بل ان الحبيب بورقيبة رئيس تونس في ذلك الوقت قال لأنور السادات اذهب واعقد صلحا مع اسرائيل وتنازل لهم عن سيناء وفوجيء العالم باستعدادات مصر الهائلة للقتال وانتصاراته المتعددة في هذه الحرب التي ادهشت العالم بصدق وحتي في المسائل الداخلية عندما قامت مصر باستدعاء شركات عالمية لاصلاح المرافق والتليفونات تعجبوا كيف أمكن للمصريين استخدام هذه المعدات البالية كانت دهشتهم عظيمة. وهكذا نحن المصريين ظروفنا تختلف عن غيرنا وطبائعنا ليست كطبائع غيرنا.. ولهذا عندما يردد البعض بالخوف من أن تمتد أحداث تونس إلي مصر.. أقول هذا مستحيل لعدة أسباب منها ان رئيس تونس كان يحكم بالحديد والنار يكمم الأفواه.. لا يستطيع أهل تونس وكبراؤها أن يتفوهوا بكلمة نقد للحكومة أو لرئيس الدولة وكسر الأقلام فلا تستطيع صحيفة أو كاتب أن يتناول بالنقد أو الكلام نقد الحاكم والحكومة ولكن عندنا الكل يتكلم ويتحدث وينقد ليس خفية أو سرا ولكن علانية الناس تتكلم وتنقد وتستغيث علي صفحات الصحف وفي المحطات الفضائية.. لم تقصف القيادة السياسية العليا أي قلم ولم تكمم الأفواه.. جعلت الناس يتحدثون ويتكلمون في حرية مطلقة وعندما تتفاقم الأمور بين طلبات البعض والحكومة يتدخل الرئيس الي جانب أصحاب الحقوق ويعطي التعليمات للحكومة بحل المشكلة.. وهكذا. أعود إلي مشاكلنا.. صحيح ان هذه المشاكل لا يمكن حلها بالمظاهرات والوقفات الاحتجاجية التي تعطل المراكب السايرة ولا بعمليات الانتحار النارية الدعائية أو غير الدعائية ولكنها تحل بالتزام المسئولين بعدم اثارة المشاكل وبعدم اصدار قرارات غير مدروسة وبإعطاء أصحاب الحقوق حقوقهم قبل أن يطالبوا بها وأن تجري الدراسات الميدانية الواقعية علي كل مجالات حياتنا.. قبل اصدار أي قرار. مشاكلنا لن تحل ايضا بهذه الفضائح التي تنشرها صحف المعارضة وتتناولها بعض المحطات الفضائية والغريب ان هذه الأخبار تنشر وتذاع ولا يتحرك أي مسئول للرد عليها وكأنه لا يعنيه ما ينشر ولا يعنيه ايضا الآثار التي ممكن أن تنجم عن مثل هذا النشر وهذه الإذاعة. كتبت احدي الصحف "مانشيت" عريضا طويلا بأن مصر علي وشك الافلاس الناس تساءلوا هل فعلا مصر علي وشك الافلاس بعد أن زادت الديون إلي كذا تريليون كما جاء في الصحيفة..! لماذا صمت وزير المالية ولم ينف أو ينكر هذا المانشيت.. كذلك لماذا لا يصدر وزير المالية تقريرا عن الوضع المالي كما كان يفعل المندوب السامي البريطاني الذي كان يرفع للخديو اثناء الاحتلال تقريرا عن اجمالي الايرادات.. والمصروفات الفعلية والفائضة اذا وجد ومقدار الاحتياطي ومقدار الدين العام وايرادات الصادرات والواردات. وكان هناك تقرير آخر عن اعداد التلاميذ ومشروعات المدارس والمستشفيات وعدد المرضي.. وغير ذلك من البيانات التي تهم الناس وكانت كلها تنشرها الصحف. الحقيقة نحن في حاجة الي تفاعل الوزراء والمسئولين مع الناس ليقولوا لهم حقيقة الموقف حتي تطمئن القلوب بأن ما نقرأه ونسمعه من سلبيات وأخبار تسد النفس.. إما انه غير صحيح أو ان الحكومة تعرف وتتصرف.. الناس تريد أن تعرف وإذا غابت المعرفة انتشر الكلام وزادت الشائعات.