ان تطلب دولة أقل في حجمها من شارع شبرا. تأجير آثار مصر أو حتي تأجير مصر كلها. فهذا شأنها وهذه أوهامها ومبادئها.. لكن ان تفكر وزارة المالية المصرية في مجرد طرح هذا الطلب المتدني والمنحط فذلك هو التدني والانحطاط بعينه. بالتأكيد فإن وزارة المالية لم تطرح هذا الامر من تلقاء نفسها.. لابد ان السيد الوزيرقد استشار "أولي الأمر" الذين لايمانعون في تمرير تلك الصفقات المشبوهة لصالح دولتهم الأثيرة التي تداعبها أحلام اليقظة بالسيطرة علي دولة عظمي في حجم مصر.. إنها أحلام البداوة التي تجد الان في مصر مناصرين ومؤيدين ومشجعين ظنوا أنهم امتلكوا البلاد ومن عليها. ولابد ان "أولي الأمر" هؤلاء استملحوا الفكرة وأمروا الوزير بالتصرف وجس النبض من تحت لتحت حتي تسير الامور علي خير وبعيدا عن تدخلهم العلني والمباشر. لا احد يحاول اقناعنا بأن وزير المالية يمكن ان يتصرف هكذا من تلقاء نفسه في أمر جلل كهذا.. تأجير آثار مصر.. تراثها الحضاري الذي تباهي به الدنيا كلها.. الأمر الذي لايمكن ان يحدث في أي دولة في العالم مهما صغر شأنها او انهار اقتصادها او حتي لم تجد ما تأكله.. تأجير آثار مصر من احقر انواع الدعارة السياسية. وحتي يكون الأمر محبوكا ومسبوكاً فقد أرسل السيد أيمن جوهر رئيس قطاع مكتب السيد وزير المالية خطابا الي المجلس الاعلي للاثار يفيد بأن هناك مقترحات من السيد عبدالله السيد محفوظ "مفكر موقع الكتاب المنير".. من هو هذا السيد وماذا يعمل وهل هناك وظيفة في الدنيا اسمها "مفكر موقع الكتاب المنير" وبأي صفة تقدم بمقترحه.. هل كان يمر بالصدفة فوجد اعلانا داخليا عن تأجير آثار مصر فتقدم بأوراقه؟ أما المقترح فهو طرح مشروع حق انتفاع للمناطق الاثرية الشهيرة بمصر مثل "الاهرامات الثلاثة. أبوالهول. معبد أبوسمبل. معابد الاقصر" لمدة ثلاث او خمس سنوات لشركات السياحة العالمية من خلال مزاد علني "للشفافية" حيث يري ان هذا المقترح بمثابة حل سريع ينقذ الموقف المالي للخزانة العامة وسد فجوة العجز بها. وذلك من خلال العائد من هذا المشروع. حيث قد يصل الي 200 مليار دولار كقيمة ايجارية لمدة خمس سنوات متتالية. هذا اغرب طلب في العالم ولايدل سوي علي الجهل وعدم الوطنية.. هكذا عبر أحد قيادات وزارة الدولة للآثار الذي لم يستبعد ان يكون وزير الآثار نفسه متورطا في هذا الشأن. مؤكدا ان الايام القادمة ستثبت بالوثائق والمستندات اشياء يندي لها الجبين.. وقال المصدر إن عدم تمرير مثل هذه الطلبات الخبيثة والمنحطة لايعود الي موقف الوزير وانما يعود الي وجود عدد من الاثريين الوطنيين داخل الوزارة والمجلس الاعلي للاثار يقفون للوزير بالمرصاد ضد اي مشروع يعتبرونه إهانة لمصر وتراثها بغض النظر عن ان مثل هذه المشروعات يمكن ان تخرج الاثار المصرية من قائمة التراث العالمي في حالة تدخل منظمة اليونسكو. وقد حدث ما ذكره المصدر بالفعل ففي الاجتماع الذي عقده المجلس الاعلي للاثار يوم 21 فبراير الحالي برئاسة الوزير محمد ابراهيم تم رفض هذا الطلب بالاجماع.. لكن المثير للأمر ان هذا الرفض لم يعلن عنه سوي أمس فقط وبعد ان تناولت مواقع التواصل الاجتماعي الامر وكشفته وعلقت عليه. حيث سارعت الوزارة بنشر الخبر مصحوبا بالخطاب الذي ارسله عادل عبدالستار أمين عام المجلس الاعلي للاثار الي رئيس قطاع مكتب وزير المالية والذي اكد فيه رفض المجلس لطلبه باعتبار ان الاثار من الاموال العامة المملوكة للدولة ولايجوز التصرف بتقرير حق مقابل انتفاع عليها للغير. أما الوزير الذي كان عليه ان يعلن عن هذه الكارثة في حينها حتي يبرئ نفسه من تهمة التواطؤ فقد اصدر بيانا امس اكد فيه استحالة المساس بتراثنا الثقافي فهو ملك لكل مصري وعليه حق حمايته. لافتا الي ان عرض هذا المقترح علي مجلس الادارة لاينم عن تقبله بأي شكل من الاشكال وانما وفقا للوائح والمنهج الاداري للوزارة. يعرض كل ما يخص الشأن الاثري من موضوعات علي اللجان الدائمة بالاثار وعلي مجلس ادارتها لاتخاذ قرارات بشأنها حيث ان القرار لايتخذ فرديا وإنما قرار جماعي من أعضاء هذه اللجان ومجلس الادارة وهما يضمان نخبة من كبار علماء الاثار والمتخصصين ورؤساء قطاعات الوزارة. عن أي منهج واي لوائح يتحدث الرجل.. وهل لو ارسل مواطن طلبا بشراء ابوالهول او تأجيره يتم عرض الامر علي مجلس الادارة وفقا للمنهج واللوائح.. ام يتم الاكتفاء بالابتسام والقاء الطلب في سلة المهملات؟ لم يبتسم الوزير ولم يلق الطلب في سلة المهملات.. عرضه علي مجلس الادارة يمكن يوافق.. ألا يخجل هؤلاء المسئولون في الاثار والمالية من أنفسهم..؟ اقيلوهم يرحمكم الله!!