في هذا العصر انتشرت للأسف موضة الإقدام علي الانتحار للخروج من المصاعب والمتاعب التي تصادف هؤلاء البشر. وللأسف أيضا يحدث ذلك في الشرق أو الغرب بلا استثناء. وهذا العمل يأثم صاحبه أيا كانت ديانته. لأن الكتب السماوية تحرم هذا العمل ليس هذا فحسب وانما تحاسب مرتكب هذا الفعل الشنيع. لأن حياة المرء ليست ملكا له ليتخلص منها في أي وقت يريد. لقد حرم الإسلام قتل النفس تحت وطأة أي ظرف من الظروف. يقول ربنا في سورة النساء: "يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما" 29 النساء. النص صريح في تحريم قتل النفس لأن ازهاقها تحت ضغوط الحياة ومشاكلها يرفضه الله سبحانه وتعالي ويحذر من يرتكب هذا الجرم الآثم فيقول: "ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوف نصليه نارا وكان ذلك علي الله يسيرا" 30 النساء. وبأوضح المعاني فإن مرتكب هذا الاثم خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين. ولعل الذين يقدمون علي هذا الفعل الشنيع لا يدركون هذه الحقيقة المرة. إذ يعذبون النفس البشرية في الدنيا بإشعال النيران في الجسد بعد سكب المواد البترولية عليه أو يشنقون أنفسهم أو يتناولون مادة سامة أو بأي وسيلة من الوسائل المتعارف عليها لإهلاك البدن. كما أنهم يعرضون أنفسهم في الآخرة لعذاب الله الشديد. وقد حذر الرسول الكريم من ارتكاب هذا العمل. فمن أزهق نفسه بحديدة في الدنيا فإنها في انتظاره يوم القيامة يعذب بها كما جاء في الحديث الشريف. كما ان الذي أزهق نفسه ربما يتسلل إلي خاطره كما نسمع من الكثيرين ذلك القول "أريد الخلاص من هذه الحياة لعلي أجد السعادة في الآخرة". كلام غريب ومنطق أشد غرابة فما أدراك أيها الإنسان الأحمق أن السعادة في انتظارك وهل اطلعت علي علم الله. أم أن أفقك الضيق قد أوحي إليك بهذه الخزعبلات؟!! لعل أهم أسباب ارتكاب هذه الأفعال هو غياب الوازع الديني في النفوس. واهمال تربية الأبناء بغرس القيم الدينية في نفوسهم منذ الصغر. إن تجاهلنا لهذا الأمر جريمة سوف يحاسبنا الله عليها. ولعل تكرار هذه الجرائم في الفترة الأخيرة يجعلنا نتحرك بسرعة لنغرس قيم الدين الإسلامي الحنيف ومبادئ الأديان السماوية المختلفة في نفوس أطفالنا منذ نعومة أظافرهم. إن تربية الأجيال مسئولية تقع علي عاتق المجتمع والأسرة وأن يتم اختيار أكفأ العناصر من أساتذتنا المعلمين وهم بحمد الله كثير وذلك لتنشأ الأجيال في رحاب تعاليم الأديان وسماحتها ولتكن الحكمة والصبر علي الأبناء هما الطريق الأمثل لاقتلاع هذه الآفة من نفوس بعض الشباب وليكن حسن التعامل هو التسلل إلي قلوب هذه البراعم الصغيرة حتي نشيع المحبة والود والتآلف بين مختلف الأجيال. وليستمر هذا الجهد في كل المراحل الابتدائية والاعدادية والثانوية والجامعة ولا ندخر أي جهد في تحقيق هذا الهدف السامي. إن هذا الدور يجب ألا يغيب عن خاطرنا في أي يوم من الأيام. في نفس الوقت يجب أن تكون مواقف الأنبياء والصالحين هي النموذج الأمثل والقدوة الطيبة لابنائنا في مختلف الأجيال. فهاهو سيدنا أيوب عليه السلام قد ابتلاه الله فلم ييأس ولم يتزعزع الإيمان في صدره إنما كان الصبر وقوة الاحتمال هما الأساس "وأيوب إذ نادي ربه أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين" لقد صدق هذا النداء إلي رب العالمين فكانت الاستجابة بتفريج الكرب وذهاب الضر. "فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضر وآتيناه أهله ومثلهم معهم رحمة من عندنا وذكري للعابدين" 84 الأنبياء. الصالحون من عباد الله يمضون علي هذا الطريق ولا يجعلون اليأس يتسرب إلي نفوسهم يسلكون الطرق والوسائل المشروعة واتخاذ كل الأساليب للحرص علي الحقوق فإن لم يتمكن المرء فليكن الصبر واتخاذ الأنبياء والصالحين قدوة طيبة. فهاهو رجل صالح فقد ابنه الوحيد في لحظة خاطفة. ورغم أنه كفيف البصر وعندما شعر بأن اليأس يتسرب إلي نفسه اصطحب مرافقه إلي المسجد وأدي ركعتين لله تعالي. فذهبت الغمة وانقشع اليأس الذي تدافع إلي نفسه بعد أن كان يفكر في الخلاص من هذه الحياة. وقد اعاد هذا الالتزام بالمبادئ التي أرسي معالمها رسول الله- صلي الله عليه وسلم- إلي نفس الرجل الهدوء والاطمئنان. فقد كان الرسول الكريم يهرع إلي الصلاة عندما يحز به أي أمر من أمور الحياة. إن هذا الطريق لا بديل عنه إذا أردنا اقتلاع هذه الفعلة الشنعاء من النفوس وعلينا اتخاذ التدابير التي تلبي طموحات أبنائنا وتيسير كافة الوسائل لكي يستطيع ابناؤنا مواجهة أعباء الحياة ومشاكلها المعقدة في هذا العصر... والله لن يضيع أجر من أحسن عملا وبالله التوفيق.