بالرغم من أن عروض أوبرا عايدة التي يتم تقديمها حاليا علي المسرح الكبير بقيادة المايسترو مارشيللو موتاديللي ليست إنتاجا جديدا والرؤية الإخراجية والبصرية هي نفسها التي رأيناها عام 2008 عقب تقديمها في بكين إلا أن "عايدة" لها جاذبية خاصة تغري بالمشاهدة الدائمة ربما يعود هذا لجمال الألحان ولارتباط الموضوع ببلدنا الغالية أما الإقبال الجماهيري فأعتقد أنه يعود للشهرة التي حظيت بها علي مر السنين بين عامة الشعب منذ قدمها لنا الفنان حسن كامي في عروض عالمية بين آثارنا بالقاهرة والأقصر ولأن هذا العرض سبق أن تناولناه عدة مرات سأكتفي هنا ببعض الملاحظات التي تختص بما هو جديد في هذا العرض وسوف تكون البداية مع الايجابيات والتي جاءت معظمها في الرؤية البصرية والتي جاءت بأيدي مصرية صميمة فكان ديكور محموود حجاج واضاءة ياسر شعلان الذي تم توظيفهما مع الاحداث وحقق كل منهما الابهار من ناحية وتعميق الحدث من ناحية أخري وهذا ينطبق علي معظم المشاهد الرئيسية منها المشهد الثاني في الفصل الأول "معبد إيزيس" والفصل الثالث والمشهد الثاني في الفصل الرابع الختام الذي يعد من أقوي المشاهد الخاصة بهذا المشهد في معظم الأوبرات.. والمخرج عبدالمنعم كامل استطاع ان يجمع كل هذه العناصر البشرية بالاضافة لرقصات الباليه التي أعطت ثراء للعمل وجمالا علي المسرح. أما الحركة المسرحية فهناك تميز ايضا في تحريك المجموعات والأطفال والتي أصبحت من ميزات الاخراج المصري ولكن تأتي علي النقيض حركة السوليست علي المسرح والتي اعتمدت علي خبرة الممثل ولم أجد جهدا واضحا للإخراج فيها وتقريبا كل المغنيين يتوجهون إلي الجمهور ويلقون أغانيهم وحديثهم بشكل خطابي حتي الرسول الذي جاء ليلقي بالخبر للملك في الفصل الأول توجه للجمهور هذا طبعا باستثناء بعض المشاهد بين "عايدة" الوصيفة الحبشية و"امنيرس" الاميرة ابنة الملك وكذلك الكاهن رامفيس الذي لعبه رضا الوكيل. أما الأزياء فكانت ايضا مناسبة وخاصة ملابس راقصات المعبد والتي كانت رقصتهم من أجمل رقصات هذا العرض وأعتقد أن عاشقي فن الباليه حرصوا علي مشاهدة العرض لجمال رقصاته ولكن ملابس السوليست فكان يجب الاهتمام بها والعودة للأبحاث الكثيرة الاكاديمية التي كتبت عن الأزياء في مصر القديمة فهي ملابس بعضها روماني وتغلب عليها الألوان اللامعة واري ان ما ترتديه عايدة لا يتناسب مع طبيعة جسم ايمان مصطفي بطلة حفل الافتتاح الذي أتيح لي رؤيته والتي كان يجب تصميم الزي عليها فهي بطلة العمل منذ سنوات طويلة وقد كانت أهم الايجابيات سواء في أدائها المتميز لأغانيها الفردية "الآريات" أو تمثيلها فنجد انها هضمت هذا الدور وفهمت الشخصية وذلك ايضا ينطبق علي رضا الوكيل وعلي عبدالوهاب السيد الذي لعب دور الملك وهو صوت براق وجميل.. أما الميتزوسبرانو الألمانية "كريستين كنوور" والتي لعبت دور "أمينيرس" وهو من أكثر الأدوار الدرامية الهامة علي مستوي معظم الأوبرات الإيطالية حيث انه له ابعادا نفسية متناقضة تنعكس في الاداء الصوتي وبعد رسم هذه الشخصية احدي عبقريات فيردي وكان أداؤها جيدا ومتميزا خاصة في مشهد المحاكمة وفي حوارها مع عايدة في المشهد الأول من الفصل الثاني.. ايضا اداء داليا فاروق لدور كبيرة الكهنة والذي يأتي من وراء الكواليس كان مميزا وأعتقد أن هذه الفتاة المجتهدة آن لها أن تركز في الجانب الدرامي.. أما الأدوار الأخري والهامة لرادميس قائد الجيوش الذي أداه الأمريكي "مارك هيللر" فكان جيدا في الفصل الأخير ولكن في الفصلين الأول والثاني كان بطيئا يتأخر في الدخول وايضا كان يجب تعديل الملابس عليه التي جاءت غير مناسبة لجسمه!!. أما دور "أمناصرو" ملك الحبشة الأسير وأبو عايدة والذي يعد من أهم الأدوار أسند إلي الباريتون "روبرت هايمان" ورغم ان صوته جيدا إلا انه لم يفهم الدور ولم يستثمر الجانب الدرامي الذي يتضمنه هذا المشهد حيث رسمه فيردي بإبداع فجعله يتكلم بعزة وكرامة عن بلده وشعبه ثم يتذكر انه لا يريد ان تكتشف شخصيت الحقيقيةه حتي تبدأ نغمة صوته في التغير ليستعطف الملك هذا التعبير الدرامي لم نشعر به علي الاطلاق بل فوجئنا بمغني يقف يواجه الجمهور يسمع الكلمات وكأنه في حفل "جالا كونسرت" وليس في عمل مسرحي شخصية لم تستغل صوتيا ولا حركيا علي المسرح. أما سلبيات هذا العمل فكانت التنفيذ الموسيقي والقيادة فجاء الأداء بطيئا ولم تشعر بقوة آلات النفخ في موكب النصر واختفي العازفون من فوق المسرح والتي يتميز بهم هذا العمل لقد شعرنا أننا نستمع إلي بروفة أو تدريب وليس لقائد ايطالي من المفروض ان يفهم فيردي واعتقد انه يؤدي هذا العمل لأول مرة وأتساءل أين القادة المحترفون المصريون الذين سبق لهم أداء هذا العمل ان روعة عايدة في الموسيقي والألحان والتي يجب الاهتمام بهما كما اري انه ليس هناك ضرورة للمقدمة الحركية التي تواكب المقدمة الموسيقية فهي تشتت الذهن بعيدا عن روعة ألحان فيردي وموسيقاه التي بها يمهد للعمل ويوضح الصراع من خلال لحنين أساسيين اللحن الأول رقيق ناعم تؤديه آلات الكمان والفيولا ويعبر عن عايدة ورادميس أما اللحن الثاني فهو لحن الكهنة الذي تؤديه آلات التشيللو تعبيرا عن الغلظة والصرامة. ولكن رغم هذه السلبيات إلا أن العرض بشكل عام جميل وكما أنني شاهدت الافتتاح فقط فربما في الأيام التالية كان هناك توفيق وتلافي لكل هذه الهنات. وأخيرا إذا كان هذا العمل قدمه المصريون للعالم في البداية عن طريق التكاليف المادية الذي قدمها الخديو إسماعيل للمبدعين إلا أن أبناء مصر أكملوا هذا الصنيع بإبداعهم الرائع.