الجموع الهادرة التي خرجت في الذكري الثانية للثورة في القاهرة والمحافظات أرادت أن تقول بوضوح ان شيئا لم يتحقق من أهداف ثورة سالت فيها دماء وأزهقت فيها أرواح حلما بوطن أفضل.. فصور الشهداء مازالت تطاردنا في اليقظة والمنام. الجموع التي خرجت لأول مرة بشكل مكثف في محافظات كانت هادئة وتبدو بعيدة عن الفعاليات مثل الفيوم وبني سويف أرادت أن تقول ان الأمور تسير للأسوأ خاصة فيما يتعلق بالعدالة الاجتماعية التي تعني الحياة الكريمة لشعب غالبيته من الفقراء.. فإذا أضفنا ان هاتين المحافظتين بالذات كانت أصوات الغالبية الساحقة منهما لصالح الاخوان في كل ما تم من استفتاءات وانتخابات لكانت الدلالة تستحق التوقف!! العدالة الاجتماعية الغائبة قبل الثورة وبعدها هي كلمة السر في استمرار الثورة حتي الآن.. فالثورة ليست هدفا في حد ذاته حتي تستمر للأبد لكنها وسيلة لتحقيق أهداف مشروعة.. وأهداف يناير كانت "عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية" فهل تحقق منها شيء؟!! لو أخذنا "العيش" بمعناه الرمزي المباشر وهو رغيف الخبز لوجدناه قد تحول علي يد الحزب الحاكم الجديد إلي وسيلة إذلال وإهانة للكرامة.. ويكفي حكاية الأرغفة الثلاثة التي صدعونا بها علي مدي الأسابيع الماضية.. والتي أوصلت رسالة قاسية لفقراء هذا الوطن وهم بالملايين هي ان الحكومة والحكام يستكثرون عليهم أن يملأوا بطونهم حتي بالخبز الحاف بعد أن عز "الغموس" ولتسرحوا بخيالكم قليلا في ثمن قرص الطعمية وكبشة الفول!! أضف إلي ذلك ضرائب مؤجلة ألقت بظلالها بالفعل علي أسعار كل السلع وحد أدني وأقصي للأجور في علم الغيب رغم عامين من الثورة وشهور سبعة من حكم رئيس منتخب!! معني ذلك ان حلم العدالة الاجتماعية مازال بعيد المنال!! أما الحرية فقد تحولت من معني جميل تمنيناه في كل حياتنا إلي حرية الحزب الحاكم في أن يفعل ما يشاء بالجمعية التأسيسية وبالدستور وبالقوانين وبالقضاء وبالإعلام لتتحول الحرية إلي كلمة جوفاء لا معني لها عند شعب قام بثورة من أجل وطن حر كريم!! الكرامة الانسانية مرتبطة بالعيش والحرية وبأشياء أخري كثيرة مازال البحث عنها مستمرا منذ الثورة. احتفالات هذا العام تختلف عن العام السابق لسبب جوهري.. فهذا العام لدينا رئيس منتخب مسئول سياسيا عن تحقيق أهداف الثورة.. لم يقل أحد ان الأهداف سوف تتحقق في يوم وليلة أو في شهور ستة أو سبعة.. لكن المشكلة ان كل البوادر حتي الآن لا تنبئ بأن شيئا سوف يتحقق قريبا.. وأحيلكم مرة أخري إلي الأرغفة الثلاثة ولترات البنزين الخمسة وكوبونات البوتاجاز.. فهي تعكس الفكر والرؤية التي تحكم أصحاب القرار.. والتي تعكس أيضا ان أصوات الميادين ترد في الحوائط ولا تصل لهم.. وهنا الخطورة. "حديقة الحيوان" * "الناس فيما يعشقون مذاهب" مقولة أؤمن بها.. وأنا من عشاق الأماكن ارتبط بها وأحسن اليها.. أهفو إلي مدرستي الابتدائية وأحزان عندما أعلم انهم هدموها وأقاموا مكانها مدرسة لها بنايات صماء تفتقد للجمال!! أعشق منزلا سكنت فيه طفلة وأتعمد المرور عليه ومنزلا سكنت فيه عروسا وأذهب لأتابع كيف صار بعد سنوات.. وأنا من عشاق حديقة الحيوان.. بالجيزة وكل من يعرفني يتوجب عندما يعلم انني أزورها مرة ومرتين كل عام وأقضي فيها ساعات جميلة تنسيني هموم الدنيا أتأمل فيها مخلوقات الله سبحانه وتعالي والأشجار العتيقة التاريخية والمتاحف ومناطق نزهة الأميرات قبل الثورة وغيرها.. صحيح انها كغيرها تبدلت من حال إلي حال علي مر السنين لكن مكانتها عندي لم تتغير.. لذلك هالني خبر الحريق الذي أصابها منذ أيام.. وأتمني أن تعود لسابق عهدها وأن يعلم المسئولون قيمتها الاقتصادية والاجتماعية والبيئية.