البعض ينظر إلي الفنون نظرة متدنية معتقداً أنها مجرد هزل وترفيه وأحيانا مسخرة وقلة أدب .. هؤلاء هم ضيقو الأفق محدود الثقافة الذين حصروا أنفسهم في شرنقة صنعوها بانفسهم باسم الدين الذي لايعرفون منه الا قشور الكتب القديمة وتعاليم المذاهب المتشددة . هؤلاء لايعرفون طبائع الأشياء ولا يعرفون طبيعة بلدهم مصر ولا تاريخها ولا يعرفون ان الفن وحده هو الذي خلد مصر القديمة الفرعونية فقد كان التحنيط فناً وبناء المعابد فنا وزخرفتها فنا وبناء القبور فنا واشادة المسلات فنا وصناعة التوابيت فنا وصناعة التماثيل فنا وبناء الاهرامات فنا .. ذهبت مصر الفرعونية وبقي منها عبر آلاف السنين شيء واحد هو الفنون التي أبهرت العالم وشكلت ما يقرب من ثلث آثاره في مصر. لقد جاء الغزاة بعد الغزاة الي مصر مقبرة الغزاة ولم ينالوا من عظمة حضارتها الفنية وأصبحت تضيف الي رصيدها الفرعوني مزيداً من الرصيد الحضاري الفني الذي استلهمته علي مر العصور. حتي الفتح الإسلامي لمصر ودخول المسلمين اليها لم يستعل علي الفن المصري وحضارتها التي يمثل الفن ركيزة اساسية فيها واضاف اليها الفن الاسلامي الذي تجده في مشاهد بطول البلاد وعرضها من طرز معمارية وجوامع ومساجد ونقوش وتحف لم ينقص من الفن المصري الاصيل بل تأثر به وأثر فيه ولم نسمع بأن أحداً من عظماء الفاتحين وعلي رأسهم عمرو بن العاص الذي جاء للفتح الاسلامي لمصر في عهد الخليفة عمر بن الخطاب قد تعرض او استعلي عن الفنون المصرية وشواهدها في كل بقعة علي أرض مصر .. لم نسمع أنهم أرادوا هدم الاهرامات أو تدمير المعابد أو تكسير التماثيل أو إزالة المقابر وشواهد القبور ذلك لأنهم كانوا رجالاً يفهمون طبائع الأشياء ويقدرون حضارة البلاد الإنسانية. الفنون يا سادة هي مقياس التحضر والترقي الانساني وهي تسمو وتكبر وتعلو مع قوة الدولة وتقدمها واذا كان هناك نوع من الهزل في الفنون وتراجع في المستوي فهذا بسبب حالة الوهن والضعف التي مرت بها مصر ولكن سرعان ما تزول مع نهضتها وقوتها فمصر استلهمت فنون العالم وبهرت العالم بفنون قديمها وحديثها وإذا أراد المتشددون باسم الدين أن يمتهنوا كرامة المبدعين والفنانين فلن يكون عصرهم إلا امتداداً للضعف والهزل فالفن هو مرآة الحياة وأهل الفن هم الذين يفهمون في الحياة ويعرفون طبائع الأشياء وهم القوة الناعمة القادرة علي ابتلاع القوة الغاشمة بدون قطرة دم واحدة.