مازالت رائحة الموت تحوم في أجواء شارع الرحاب بمنطقة المعمورة البلد خاصة لعدم قيام المحافظة بعمليات الرش المعتادة لتطهير المناطق التي تنهار بها العقارات وتخرج منها الجثث أشلاء وبالتالي فإن آثار الدماء المتبقية في الرمال والأنقاض جعل الرائحة بالمنطقة أشبه برائحة القبور لتختلط برائحة مياه الصرف الصحي بالشوارع الجانبية.. ولعل الغريب هو ان مقر العقار المنهار أصبح "مزاراً" لسكان المناطق الشعبية الذين توافدوا لالتقاط الصور للمنطقة وصور الملابس وبقايا الأثاث المستخرج من تحت الأرض خاصة البوتاجازات والثلاجات التي تساوت مع سطح الأرض تماماً. كما شهدت منطقة العقار توافد أعداد كبيرة من النساء لقراءة الفاتحة علي أرواح الضحايا وسط بكائهن علي الشباب والأطفال ضحايا الحادث. خصص شيوخ المساجد بالمنطقة فترة طويلة للدعاء علي أرواح الضحايا في أعقاب كل صلاة. اختفي المسئولون تماماً من منطقة الحادث ولم يتوافد عليها سوي القنوات التليفزيونية للتصوير مع الأهالي إلا أن حالة الغضب السائدة بين المواطنين لعدم الاهتمام بالقضية كما يجب بالقنوات التليفزيونية خاصة التليفزيون المصري حالت دون استمرار عمل المراسلين الذين فضلوا التوجه إلي المستشفي للتحاور مع المصابين. الأغرب كان ظهور سيدة مجهولة تبكي وتصرخ بحثاً عن جثة نجلها الطفل الذي يبلغ "ست سنوات" وظلت تصرخ وتندب بحثاً عنه وهو ما أدي إلي قيام أبناء المنطقة للتنقيب بأنفسهم في مخلفات العقار من أتربة وخرسانة بحثاً عن الجثة واختفت "السيدة" فجأة معللة توجهها لقسم الشرطة للبحث عنه.. ورغم ان ظهور السيدة واختفائها هو شيء مريب إلا أن الأهالي بالفعل ظلت تبحث منذ الصباح عن جثة مفقودة لطفل مجهول دون معرفة اسمه.. أو اسمها بينما لم يصل للأمن أي بلاغ رسمي. سرت شائعات عن وجود حقائب النقود والمشغولات الذهبية بين الأنقاض وهو ما دعا هواة التنقيب في المخلفات علي التوافد للمنطقة.. وبالرغم من ذلك فإن شيوخ حزب النور أغلقوا أبواب الجراجات التي جمعت فيها ممتلكات الضحايا لإجراء جرد عليها وتسليمها بمحضر رسمي إلي ذويهم في حالة التعرف عليها. أدار سكان المنطقة المؤشر علي إذاعة القرآن الكريم وتحولت إلي سرادق كبير في ظل ان أغلب المتوفيين وافدين علي منطقة المنتزه سواء من غرب الإسكندرية أو من المحافظات المجاورة وهو ما جعل عمليات الدفن والعزاء بعيدة عن المنطقة. وبوجه العموم فإن حالة من الذعر تسود في جميع العقارات المخالفة خوفاً من انهيارها ولا حديث بالمنطقة سوي عن البحث عن مهندس متخصص لمعاينة كل عقار خوفاً من انهياره. وبعيداً عن منطقة الأحزان انتقل الحزن والبكاء إلي المشرحة حيث احتشد الأهالي لنقل الضحايا إلي مثواهم الأخير .. في ظل غضب عارم اجتاح الأقارب والمعارف حزناً عليهم لأن أعداداً كبيرة منهم غير مكتملة المعالم وبعضها ممزق أو أشلاء بفعل قوة الانهيار الذي سحق الجثث تماماً. الحالات الإنسانية التي كشف عنها المشاركون في الأحزان ربما تكون أكثر قوة في الألم لصعوبتها. كانت أسرة "شيماء" في انهيار تام قد حضرت لتوديع جثمان أحمد حافظ "27 سنة/ سائق" والذي كان يستعد لزفافه خلال شهرين فقط وحضر بالصدفة للإقامة عند شقيقته مني حافظ ليوم واحد ليرعي والده حافظ أحمد حافظ وكانت مني حافظ في حالة انهيار تام رافضة الحديث تماماً ليس لوفاة شقيقها فحسب ولكن لوفاة نجلتها "روجانا" "عام واحد" أيضاً والتي جاءت بعد ثلاث سنوات زواجاً لتسعد قلبها وقلب زوجها بعد معاناة.. وماتت في أحضان والدها.. ومازاد من حزن الأسرة ان أشرف ربيع والد الطفلة مصاب بالحادث ولا يستطيع الحركة ووالد أحمد حافظ أحمد حافظ "63 سنة" مصاباً بالحادث أيضاً ولا يعلم بوفاة نجله لسوء حالته الصحية. أما الطامة الكبري فكانت في مصاب أسرة "محمد علي حسنين" والذي حرص عدد كبير من القيادات الإخوانية وحزب الحرية والعدالة علي التواجد لمشاركة زميلهم "مصطفي يحيي" في مصابه والذي أبيدت أسرته بكاملها ويعد "مصطفي" أحد القيادات الإخوانية بالبحيرة وزوجته المتوفاة في الحادث "خديجة محمد علي" أحد الكوادر النسائية بالحرية والعدالة وأمينة الفتيات بالحزب بالبحيرة وحضرت لزيارة والدها ومعها يحيي "11 سنة" وهاجر "8 سنوات" وحضرت معها شقيقتها ايمان "ليسانس حقوق" "33 سنة" ومعها نجلاها "ياسمين أحمد حسين / 5 سنوات" وندي "4 سنوات" لينهار العقار ويذهب ضحيته محمد حسين "62 سنة" موجه بالتربية والتعليم وزوجته "خديجة محمد علي / 55 سنة" وابنه عبدالرحمن "26 سنه" وبنتاه الاثنتان وأحفاده الأربعة لتنهي الأسرة بأكملها تحت الأنقاض وحرص حزب الحرية والعدالة بالإسكندرية علي تسهيل عمليات استخراج التصريح وتحميل الجثث مبكراً لدفنها بالبحيرة. لا حديث للأعداد الكبيرة المتواجدة أمام المشرحة سوي عن أسر بالكامل انتهت. يقول "محمد عبدالرحيم" لقد حضرت للمشاركة في تشييع جثمان صديقي "كريم عبدالرحمن" لانه عريس جديد لم يمض علي زواجه سوي عام وبضعه أشهر وزوجته "سناء شحاته محمد" كانت حامل في الشهر الثامن وكان سعيداً للغاية لانه سيصبح أباً خاصة بعد أن علم بأن الجنين ذكر وللأسف مات كريم وزوجته والجنين وعلمت أن زوجته كانت تحاول النزول علي السلم قبل زوجها لأنهم في الأدوار العليا ولكن مع صعوبة الحمل وثقل الحركة لم تتمكن من الهروب سريعاً فماتت علي سلالم الدور الأول بينما لم يتمكن كريم من الخروج من الشقة وكان يجمع متعلقاته. أسرة سامي محمد علي حسن ايضا أبيدت تحت الانقاض فمات "سامي" وانجاله "إسلام" وبسنت وبسمله والاء وحماته عواطف عبدالله التي تقيم معه وزوجته فاطمة إبراهيم. الصراخ والعويل هز أرجاء منطقة مشرحة الإسكندرية وهتافات "مع السلامة" أدمت القلوب في حالة من الحزن أعجزت الألسنه عن الحديث.. خاصة أسرة "عمرو علي حسن" الذي أنزل "لوجي" 4 سنوات وهي تحمل عروستها اللعبة وصعد "عمرو" ليحضر زوجته "هويدا أنور" ليلقي مصرعه وهو ينقذها وينقذ الجيران أما "هويدا" التي تم استخراجها من تحت الانقاض "حية" بعد 14 ساعه فتوفيت بغرفة العناية المركزة لنقص الأوكسجين بالمخ. علي الجانب الآخر كشف اللواء "ناصر العبد" مدير مباحث الإسكندرية العديد من المفاجآت "للمساء" حيث أكد أن عدد المتوفين "26" بالإضافة إلي جثة جنين في الشهر الثامن خرج من رحم أمه بفعل ضغط الأسقف المنهارة وهي تجري علي السلم وظل بجوارها ملتصقاً بالحبل السري وتم اعتباره جثه لتصبح الجثث "27" فقط إذ ما تم احتسابه وقد تم دفن الأم مع جنينها غير مكتمل النمو. أضاف أن هناك "6" جثث لم تتمكن الأهالي من التعرف عليهم في البداية نتيجة لطبيعة الانهيار علي صورة طوابق متلاحقة سحقت الأجسدة تماماً والبعض تعرف علي جثث النساء من خاتم الزواج أو سلسلة أما الرجال فتم التعرف عليهم من ملابسهم.. وللأسف كانت هناك اشلاء للعديد من الجثث من أمعاء وغيرها وهو ما جعل الأهالي في حاله من التوتر والغضب. قال فيما يتعلق بالمصابين فلم يبق بالمستشفي سوي خمسة فقط مصابين بكسور أما باقي المصابين ال "11" فقد خرجوا مع ذويهم. وفجر "العبد" مفاجأة حينما أكد أن العناية الإلهية أنقذت العديد من الضحايا بعد حصر شقق العقار التي اغلقها أصحابها إما للاقامة عند ذويهم أو لكونها تخضع للتحسينات وعددهم "13" شقة وأن أكثر الأدوار المنكوبة هو الدور الثاني والثالث والسابع الذي ضم أغلب الضحايا. أكد علي أن هناك فريق بحث جنائي يقوم بالبحث عن المقاول الهارب وأفراد أسرته لسرعة القبض عليه تطبيقاً لقرار النيابة. أمر المستشار محمد صلاح عبدالمجيد رئيس نيابة شرق بحبس كل من "صابر شوقي سعيد" "27 سنة" ونجل عمه "أحمد السجان سعيد" "18 سنه" أربعة أيام علي ذمة التحقيقات واستدعاء مسئولي الادارة الهندسية بحي المنتزه لسؤالهم وإحضار ملف العقار وتشكيل لجنة هندسية لمعاينة بالعقار ومقارنته بالرسوم الهندسية الموجودة بالحي وضبط وإحضار المتهم الهارب عبدالمنعم صديق "مقاول". كان فريق من النيابة العامة قد انتقل لمعاينة موقع الحادث والآثار المترتبة عليه وانتقل فريق آخر لسماع أقوال المصابين وسؤال المتهمين. أكد المتهم "صابر شوقي" علي أن والده هو الذي كان شريكاً للمتهم الهارب وأن والده توفي منذ عامين وأنه ورث عنه حصته في العقار. وتبلغ خمس شقق وأنه ليس له علاقة بعملية البناء وأنكر ايضا أحمد السجان معرفته أن العقار بلا أساس وأكد علي أنه شريك بحه ويؤجر الشقق ب 200 جنيه في الشهر لتدر عليه دخلاً وأن الأهالي رفضوا الخروج لإصلاح الصرف الصحي.