ما أن أنهيت دراستي الجامعية حتي التحقت بدير القديسة "هيلانه" للراهبات بالفيوم. وبقيت هناك لمدة عام واحد تحت الاختبار كما تنص بذلك لوائح الرهبنة بالدير. وخلال ذلك العام عاشرت عن قرب رئيسة الدير الام "ماكرينا" ذات الحسن الفائق والوجه الملائكي. واعتادت هذه الام الفاضلة كلما وجدتني بالقرب منها أن تسحبني من ذراعي إلي غرفتها في وقت خلوتها للصلاة. وأما آخر مناسبة حدث فيها هذا الامر فكانت قبل رحيلها عن عالمنا بأسبوع واحد. حيث ركعت في ركن من الغرفة وأغمضت عينيها الزرقاوين وهمست قائلة في خشوع ورهبة: - يا أبانا.. ليتقدس أسمك في ذاتك.. وصمتت هنيهة ثم شرعت تواصل الصلاة: - وليتقدس اسمك فينا.. وبعدما فرغت الام من الصلاة قمت من سجدتي تاركة إياها في خلوتها التعبدية. وبعد أسبوع واحد رحلت الام القديسة ونحن علي ثقة من أن رحيلها كان في صحبة الملائكة. وبعد طول تفكير واحساس عميق بالوحشة قررت ترك الدير والعودة إلي بيت الاسرة. وبعد انقضاء قرابة الشهر وصلتني دعوة من قريبة لي لزيارة "باريس" ولبيت الدعوة من دون تردد. وفي عاصمة النور كما يقولون سمحت لي قريبتي بأن أشاركها مسكنها لسبب كونها كانت تقيم بمفردها. وبعد مضي عشرة أيام من إقامتي هناك التحقت بالعمل في متجر لبيع العطور كان يمتلكه رجل من أهل "باريس" اسمه مسيو "موريس" ولكني لم ألبث وأن تركت العمل بالمتجر لسوء طباع الرجل وحدة مزاجه. وبعد أيام التحقت بالعمل في حانوت لبيع الملابس الجاهزة. وأكملت الشهر بالكاد تاركة العمل بالحانوت لسبب سلاطة لسان مدام "إيفون" صاحبة المتجر ولم يلبث وأن عاودني الحنين لحياة الرهبنة. فاتجهت من فوري إلي دير للراهبات يقع في إحدي ضواحي "باريس" هو دير "سانت ريتا". وهناك التقيت بالأخت "ماكرينا" أمينة المكتبة والتي كانت تماثل الأم "ماكرينا" اسما وشكلا وروحا. وفي أول مقابلة لي مع الراهبة قالت لي مقولة طالما سمعتها من الام "ماكرينا" الراحلة: - يا حبيبتي.. ينبغي لنا أن نحب الله لذاته لا لعطاياه.. وبعدها بأيام سحبتني الأخت "ماكرينا" من ذراعي إلي غرفتها الخاصة وركعنا معا سويا في ركن من أركان الغرفة. وسمعتها تقول وهي ترفع عينيها الزرقاوين إلي السماء: - يا أبانا.. ليتقدس اسمك في ذاتك.. وصمتت "ماكرينا" هنيهة ثم عادت تواصل الصلاة قائلة: - وليتقدس اسمك فيها.. وأخذت تبكي!!