أحياناً اسأل نفسي: هل نحن فعلاً شعب متحضر وله جذور ضاربة في أعماق التاريخ؟! هل نتمتع بمواهب وعادات وتقاليد تفوق ما تتمتع به شعوب أخري؟! وهل تظهر هذه الصفات في سلوكياتنا وتصرفاتنا وفي تعاملنا وفي تخاطبنا مع بعضنا البعض؟! وأجيب علي هذه الأسئلة بأن هذه مجرد نظريات نتشدق بها ونخدع بها أنفسنا.. وللأسف أحياناً نتفاخر بها كذباً وبهتاناً علي غيرنا من الشعوب المجاورة وغير المجاورة. عندما نسمع ألفاظاً تشمئز منها النفس ويمجها الذوق ويستنكرها الناس الأسوياء تصدر من عمال أميين أو شبه أميين يعملون في أي ورشة من الورش.. فاننا -رغم تقززنا منها- نقول أن هذه البيئة مهيأة لمثل هذه الأخلاقيات. وصدور هذه الألفاظ من هؤلاء العمال ليس غريباً عنهم.. فقد أصبحت هذه الألفاظ التي تتناول الأب والأم والأخت والرجولة مفردات متداولة بينهم بشكل لا ارادي نتيجة لتعودهم عليها. وللأسف أيضاً نجد هذه الظاهرة اللفظية قد انتشرت بين طلاب المدارس علي اختلاف أنواعها ومستوي سنوات دراستهم.. ابتدائي واعدادي وثانوي.. وفي أوقات الراحة التي ينتشرون فيها في الشوارع تصدم آذاننا تلك الألفاظ البذيئة. ولا تستطيع ان تقول للتلميذ أو الطالب: عيب.. لأنه سوف يرد عليك رداً يجعل الدم يغلي في عروقك.. وهذا يدل علي ان دور الأسرة والمدرسة قد خرج ولم يعد. كل ذلك قد يهون.. لكن ان تنتقل الظاهرة الي النخبة فإننا يجب ان نتوقف هنا طويلاً. ونعرف إلي أين نسير.. وأين تتجه بنا الريح. العهدة فيما أنسبه الآن الي الداعية الإسلامي وجدي غنيم.. علي صحيفة "اليوم السابع" فهي التي نشرت وأنا أنقله عنها لأغلق علي التصريحات التي ذكرها الداعية. لقد أبدي الداعية وجدي غنيم- كما ذكرت الصحيفة- سعادته لانسحاب القوي المدنية من الجمعية التأسيسية للدستور.. لكنه وصف هؤلاء المنسحبين بأنهم "أنجاس ورقاصون ومطبلاتيه". وقال غنيم: سررت بأن ربنا طهر اللجنة من هؤلاء الأنجاس.. من الصليبيين العلمانيين الرقاصين المطبلاتية!! ووجه غنيم اللوم الي الإسلاميين الذين وافقوا علي ضم هؤلاء الي الجمعية من البداية قائلاً: العيب مش عليهم.. العيب علي اللي رضي يقعد معاهم بدعوي التوافق. وتابع توجيه كلامه الي الإسلاميين: شعب مصر اختاركم لتمثيله.. تروحوا تقعدوا مع الأنجاس والكفرة اللي مش عايزين شرع ربنا؟! ما هذا يا فضيلة الداعية الإسلامي؟! المفروض انكم تتأسون برسول الله صلي الله عليه وسلم الذي قال: "ما بعثت لعاناًولا شتاما" وانت يا فضيلة الشيخ انهلت علي خصومك بألفاظ وعبارات تتنافي تماماً مع ما دعا اليه رب العزة "وجادلهم بالتي هي أحسن". كيف تحكم علي انسان نطق بالشهادتين وقال: لا إله إلا الله محمد رسول الله.. بأنه كافر؟! كيف طاوعك قلبك وعقلك علي ذلك؟! "انجاس.. وكفرة.. ورقاصين.. ومطبلاتية.. وصليبيين" ألفاظ يأباها الذوق السليم ويرفضها العامة والخاصة إذا صدرت من شخص جاهل وأمي.. فما بالك إذا صدرت من عالم يدعو إلي سبيل الله واتباع شريعته؟! هل هذا التخاطب من آداب وسنن الشريعة؟! هل الخلاف في الرأي حتي لو وصل الي خلاف تصادمي يمكن ان يجعلنا نستخدم هذه الألفاظ ونلجأ الي هذا الأسلوب؟! إنني أربأ بإنسان جاهل أو نصف متعلم ان يكون هذا أسلوبه في الهجوم علي خصومه.. فما بالك بإنسان متعلم وصل الي مرحلة نقل علمه الي الآخرين ودعوتهم الي الهداية والرشاد. هل هذا يليق يا مولانا؟! "قل إن الهدي هدي الله" صدق الله العظيم.