محمد: ابني ركب التوك توك ليلحق برحلة الموت الشيخ حمدي بعد وفاة ابنه : "ضربته بالقلم علشان يركب الأتوبيس" ما زال الحزن يخيم لليوم الثاني علي التوالي علي محافظة أسيوط بسبب استشهاد 54 تلميذاً وتلميذة في حادث اصطدام القطار رقم "165" المميز المتجه من أسيوط إلي القاهرة بأتوبيس معهد النور الأزهري أثناء مروره بمزلقان قرية المندرة مركز منفلوط. أسيوط أحمد عمر ومحمود وجدي: ارتفع ضحايا كارثة أتوبيس الأطفال بمنفلوط إلي 54 شهيداً بعد وفاة الطفلة فاطمة التي كانت في عداد المصابين واكتشاف وجود ضحيتين تم حملهما من مسرح الحادث قبل وصول سيارات الإسعاف في حين كشفت تحقيقات النيابة ان عامل المزلقان هو واحد من بين 6 عمال صيانة يتم تكليفهم بالتناوب في حراسة المزلقان في نوبتجيات مدتها 12 ساعة وتبين ان مزلقان قرية المندرة أقيم قبل عامين فقط وانه يفتقد للإشارات الصوتية والضوئية وعدم التواصل بين العامل وجهاز الحركة في هيئة السكة الحديد بالمنطقة . توالت مواكب التعازي علي الطريق المؤدي إلي منفلوط وبيوت أسر الأطفال ضحايا كارثة الأتوبيس بقري المندرة وسكرة وبني سند.. تنقل المعزون من أهالي أسيوط ومن ناشطين وقيادات سياسية وشعبية مثل الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح وحمدين صباحي وآخرين حضروا من القاهرة ومختلف أنحاء الجمهورية من بيت إلي بيت ومن مأساة وقصة إنسانية إلي أخري تدمي القلوب سردها الآباء والأمهات المكلومون فيما يشبه الهمس وكأنها مناجاة للذات التي لا تزال غير قادرة علي استيعاب الواقع المر. بين عشرات الحكايات أب فقد 5 من عائلته وآخر فقد أبناءه الثلاثة.. حمادة أنور عبدالرشيد أمين الشرطة بجهاز الأمن الوطني فقد ابناءه الأربعة أدهم. وأروي. ونور وريم وبنت عمهم سندس محمود عبدالرشيد. بينما فقد أشرف هاشم أطفاله الثلاثة أحمد ومحمد ومحمود بينما تهمس أمهم في ذهول "العيال اتأخروا يا أشرف" فضمها إلي صدره بينما دموعه تنساب في صمت. عبدالرحمن المحامي عاد قبل أيام مع زوجته من رحلة الحج ليفقد في الحادث طفلتيه التوأم.. ومحمد فقد ابنه الوحيد الذي رزق به علي أربع بنات.. تركه أتوبيس الموت فاستقل توك توك أسرع به خلف الأتوبيس حتي لحق به قبل 10 أمتار من المزلقان فاستقله وراح مع زملائه في الحادث. عشرات من المتطوعين توافدوا علي موقع الحادث لتوثيق الجريمة وكشف أوجه القصور التي أدت للحادث.. قام المخرج والناشط مازن سعيد بإعداد فيلم تسجيلي مدته 11 دقيقة نشره علي موقع اليوتيوب.. سأل الشيخ حمدي الذي فقد نجله عن آخر ما يتذكره مع طفله الفقيد.. صمت الأب لحظات ثم قال وهو يغالب دموعه "ضربته بالقلم عشان يركب الأتوبيس". أبدي سعيد صدمته لحالة المستشفي الجامعي الذي يعالج المصابين رغم انه يعد الأكبر تجهيزاً في الصعيد كله.. وتم نقل المصابين اليه رغم انه يبعد حوالي 30 كيلومتراً عن الحادث بينما مستشفي منفلوط العام تبعد بحوالي 5 كيلومترات فقط لم يستخدم في الحادث إلا مجرد مخزن لجثث الضحايا حيث يفتقر لأبسط المستلزمات الطبية كسائر مستشفيات المحافظة ووحداتها الصحية حتي أن أهالي قرية بمرز الفتح لجأوا إلي إشعال النار في وحدتهم الصحية بعدما وجدوا ان وجودها غير مجد ولا تقدم شيئاً لهم حتي مصل العقرب الذي احتاجته طفلتهم هناك وماتت قبل إسعافها. رغم الاهتمام الرسمي استمرت شكوي أهالي المصابين من سوء الرعاية الطبية بالمستشفي الجامعي ونقص الأدوية مؤكدين ان المستشفي يطالبهم بشراء الأدوية من الخارج بينما نفي الدكتور أسامة فاروق مدير المستشفي وجود أي نقص في الدواء لكن علي زيدان طبيب الاستقبال قال إن المستشفي كان يعاني من نقص حاد في حقن بيكربونات الصوديوم الضرورية لإنقاذ الضحايا لكن المستشفي حصل خلال ساعات علي كميات وفيرة منها. قال الدكتور محمد هاشم إن نقص بيكربونا ت الصوديوم يعود إلي 3 شهور مضت رغم ان سعر الأمبول لا يزيد عن جنيهين ويحتاج المصاب إلي حوالي 4 جرعات منه لانقاذ حياته وتعويض ما فقده من السوائل في الحادث لكن بعد إجراء تحليل لتحديد كمية الغازات في الدم مؤكداً ان وزارة الصحة أرسلت في اليوم التالي بكميات أخري. في قسم العناية المتوسطة بالمستشفي الجامعي يرقد الطفل عبدالرحمن محمد سيد "6 سنوات" مصاباً بجروح متفرقة واشتباه وارتجاج في المخ يسأل كلما استعاد وعيه عن أصدقائه الذين كانوا يرافقونه في أتوبيس الموت .. الاجابة: ماتوا. قريبة منه ترقد الطفلة أروي حسين 10 سنوات تقول: عمو بتاع المزلقان ساب الباب مفتوح رغم انه قبل كده كان بيقفله.. وفوجئنا بالقطار لأن المزلقان بجواره كشك خشبي يحجب رؤيته عنها وهو قادم من بعيد ولم أدر بنفسي إلا في عربة الإسعاف. من هذه الأسر التي نال منها الحادث الأليم أسرة الشهيدة فرحة محمد علي دياب التي ليس لها سوي شقيق واحد كان ينتظر عودتها مع والديه ليقتسم معها لحظات الهدوء واللعب والشقاوة التي تلطف علي الوالدين اللذين كابدا الحياة في تربيتهما خاصة والدها الذي يكد ويشقي مصراً علي تلقيهما تعليماً مميزاً خاصة انها تجيد حفظ القرآن فألحقها بالأزهر لتجمع بين علوم الدين والدنيا ويكون بذلك قد راعي ربه في تربية فرحة لكنها رحلت وأخذت الفرحة معها تاركة والديها في بحر من الدموع وجبال من الأحزان. وفي عائلة عبدالرشيد كان الوضع مأساوياً بعد ان حار الأهالي في تقديم واجب العزاء والمصيبة هذه الأسرة التي حط الموت برحاله الثقيلة في دوارها لأنها فقدت ستة أطفال دفعة واحدة في الحادث منهم 5 أشقاء ومعهم ابن عمهم. لقد سهرت الوالدتان من أجل إعداد السندوتشات وزجاجات المياه وغيرها من حاجياتهم البسيطة مثل المصروف والأقلام والكراسات ودهان الأحذية لتكون نظيفة براقة ليكون الأطفال سعداء وهم ذاهبون إلي أقرانهم وقد تزينوا بأجمل حلة ولكن كانت تلك اللحظات للاستعداد للرحيل الأبدي خلال دقائق معدودة. لم يكن هذا المشهد سوي البوابة الحقيقية التي دخل منها طائر الأحزان البيوت ودور أهالي قرية المندرة قبلي التي طلب أهلها منذ 5 سنوات بعمل هذا المزلقان اليدوي حتي يحقن الدماء ويحافظ علي أرواح الأهالي الذين كانوا يعبرون الطريق بشكل عشوائي بهذه الكلمات عبر أشرف طلعت والد الضحايا فارس ومجد وأحمد الذين قضوا نحبهم في هذا الحادث الأليم الذي سوف تظل مرارته في القلوب إلي ان يقضي الله أمراً كان مفعولا خاصة ان الأبناء كانت سعادتهم ولهوهم غير عادي في الأيام الأخيرة ولا ندري السبب سوي ان الأطفال يجدون سعادتهم في الدراسة مع أقرانهم ولاسيما انهم يتسابقون في حفظ القرآن والأحاديث وهو ما جعلنا نلحقهم بالأزهر الشريف ليكونوا دعاة للخير والمحبة في المستقبل ولكن إرادة الله قد سبقت كل ذلك.