في خطوة نحو توطيد العلاقات المصرية التركية يصل القاهرة بعد غد رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان في زيارة هي الأولي بعد تولي الرئيس محمد مرسي مقاليد الحكم في مصر. يأتي أردوغان علي رأس وفد رسمي كبير يرافقه 12 وزيراً و150 رجل أعمال تركيا مما يضفي علي الزيارة طابعاً اقتصادياَ في المقام الأول وان كان هدف الزيارة كما صرح عمرو رشدي الناطق باسم وزارة الخارجية هو بحث تعزيز العلاقات بين البلدين في كل المجالات. يؤكد حجم الوفد المرافق لأردوغان علي مكانة مصر بما تملكه من إمكانيات بشرية واقتصادية وأوضاع سياسية بإفريقيا والشرق الأوسط بالنسبة للأجندة الخارجية التركية. لاسيما أن مصر - بعد سقوط النظام السابق وصعود حزب إسلامي - أصبحت ممهدة لإقامة تحالف استراتيجي قوي في منطقة الشرق الأوسط طالما سعت له تركيا ولكن حالت علاقات مصر الأمريكية المتأثرة بالمصالح الإسرائيلية دون قيامه لسنوات طويلة. وقد كشفت تركيا عن تصورها لمستقبل العلاقات مع مصر في أكثر من مناسبة بعد ثورة 25 يناير ولخص احمد داود أوغلو وزير خارجية تركيا ذلك التصور في مقابلة مع صحيفة "نيويورك تايمز" في 20 سبتمبر 2011 بأن بلاده تسعي لتدشين تحالف مع مصر لتأسيس ما أسماه "محور ديمقراطية" جديدة في الشرق الأوسط متوقعا زيادة استثمارات بلاده في مصر. ولاشك أن مصر ما بعد الثورة بدأت في التحرر في علاقاتها الخارجية في ضوء الاحترام المتبادل مع الدول والمصالح المشتركة بعيداً عن التبعية حيث ان التحالف مع حليف قوي بحجم تركيا يفتح لها بوابة السوق الأوروبية بما يخدم العديد من القضايا الوطنية. ويعد التحالف هدفاً مشتركاً بين البلدين اللذين يسيطران علي جنوب وشمال شرق البحر المتوسط بما يعني أن رأيهما حال التحالف سيكون حاسما عند وقوع أي صراعات بالمنطقة. ترتبط مصر وتركيا بعلاقات تاريخية ترجع إلي عام 1925 تطور إلي تمثيل دبلوماسي بدرجة سفير عام 1948 وفي ثمانينيات القرن المنقضي أنشئت اللجنة المصرية التركية بهدف تحقيق المصالح المشتركة للبلدين. وفي عام 1996 قام رئيس الوزراء التركي نجم الدين أربكان بزيارة للقاهرة أثمرت انضمام مصر إلي مجموعة الثماني الإسلامية التي عقدت أول مؤتمراتها في اسطنبول عام 1997 وتوالت الزيارات والوفود بين البلدين علي مختلف مستويات التمثيل الدبلوماسي بعد ذلك وشارك الرئيس التركي عبدالله جول في قمة عدم الانحياز بشرم الشيخ عام 2009 فيما قام رجب طيب أردوغان بزيارة إلي مصر عام 2009 وعلي مستوي الوزراء فقد تبادل وزراء البترول والاستثمار والتجارة والخارجية في الجانبين العديد من الزيارات الرسمية التي كانت ترمي إلي مصلحة التعاون المشترك بين البلدين. شهدت مصر بعد الثورة نموا في العلاقات السياسية مع تركيا وكانت هدفا لأول زيارة خارجية لرئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان في 12 - 13 سبتمبر من العام الماضي بعد إعادة انتخابه في يونيو 2011 علي رأس وفد ضم نحو 200 رجل أعمال تركي و6 وزراء وقد استقبل اردوغان في مطار القاهرة استقبالاً حافلا حيث انتظره خمسة آلاف شخص وكان قد أعلن من تركيا انه قادم للوقوف إلي جانب مصر في الظروف الصعبة والتقي اردوغان بالمسئولين في مصر وقيادات الأزهر والكنيسة وممثلي الأحزاب والقوي السياسية وكسب أردوغان شعبية كبيرة عندما تحدث عن شروطه لعودة العلاقات مع إسرائيل وهي فك الحصار عن غزة إلي جانب الاعتذار والتعويض لأسر ضحايا سفينة مرمرة. وفي 30 سبتمبر الماضي قام الرئيس محمد مرسي بزيارة إلي تركيا لحضور المؤتمر الطارئ الرابع لحزب العدالة والتنمية في أنقرة وألقي كلمة خلال المؤتمر أكد فيها علي أن مصر وتركيا تجمعهما رسالة سلام وأن الشعبين يلتقيان علي أهداف واحدة وآمال مشتركة. الشراكة المصرية التركية في المجال الاقتصادي تطورت عبر السنوات القليلة الماضية بشكل إيجابي ففي عام 2005 بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين نحو 500 مليون دولار. ووصل عام 2011 إلي نحو ثمانية أضعاف بقيمة 2.4 مليار دولار. وقد أكد تقرير البنك المركزي المصري في 9 نوفمبر الجاري ان حجم الواردات التركية للسوق المصرية قفز في العام المالي الأخير 2011 - 2012 بنحو 1.024 مليار دولار حيث وصل إلي 2.6698 مليار دولار ما يعادل 4.6% من إجمالي واردات مصر الخارجية مقابل 1.6458 مليار دولار بما يعادل 3% من الواردات المصرية في 2010/.2011 وقد تعهدت تركيا بتقديم حزمة من المساعدات الاقتصادية لمصر تبلغ قيمتها نحو 2 مليار دولار لدعم الاقتصاد المصري دون أي شروط مسبقة. وعلي صعيد التعاون العسكري ففي كل عام تجري مناورة بحرية مشتركة بين القوات المصرية والتركية "بحر الصداقة" بالتبادل كل عام في بلد الآخر وتهدف تلك المناورات الدورية إلي تبادل الخبرات والتعرف علي أساليب الدفاع الجديدة وكذلك الأسلحة المتطورة حيث يشارك الجانبان بعشرات القطع البحرية من أجل الاستفادة التامة للجانبين. وإلي جانب العلاقات السياسية والاقتصادية تتمتع مصر بمختلف العلاقات مع الجانب التركي فقد اختار الأتراك مصر عام 2010 لفتح المركز الثقافي التركي الوحيد في الشرق الأوسط - مركز يونس للثقافة التركية - وهي نفس الخطوة التي أرستها مصر من قبل بافتتاح المركز الثقافي المصري باسطنبول عام 2007 وذلك لتوثيق العلاقات الثقافية بين الجانبين من خلال تفعيل بروتوكول للتعاون بين الارشيفين المصري والتركي.