مما لاشك فيه أن حفل افتتاح الدورة 21 لمهرجان الموسيقي العربية والتي أقيمت علي المسرح الكبير من أهم أحداثه الفنية لأنها استطاعت أن تخرج به من حيز النجم المؤدي المحدود إلي إبداع الفنان الرحب من خلال الأمسية التي تم تخصيصها للفنان الراحل رياض السنباطي "1906 - 1981" للموسيقي العربية تحت عنوان "أمير النغم" والذي تم استعارته من كتاب بنفس العنوان للباحث الراحل عبدالقادر صبري والتي نجح كل من د. رتيبة الحفني كاتبة السيناريو والمخرجة جيهان مرسي ان يدللوا علي عبقريته من خلال حيثيات صنعها بحرفية الإعلام وجدي الحكيم الذي قدم لناتسجيلات مرئية نادرة للعديد من الملحنين والشعراء منهم جمال سلامة وعمار الشريعي وفاروق جويدة وفاروق شوشة والمطربتان نجاح سلام ووردة يتحدثون فيها عن عبقرية السنباطي الذي كان ايضا له تسجيل يتحدث فيه عن مشواره الفني وتم توظيف هذه التسجيلات وربطها بمجموعة الأغاني الحية التي قدمها ابناء فرق الأوبرا بمصاحبة مجموعة من أمهر عازفي فرق الدار للموسيقي العربية والاوركسترا بقيادة المايسترو عبدالحميد عبدالغفار الذي تفوق في التنفيذ الموسيقي والغنائي الجيد لفقرات الحفل التي جاءت منتقاه بعناية أعتقد ان له دوراً فيها. الحفل تضمن 16 فقرة بدأت ببنوراما موسيقية قدمها المايسترو كانت خير افتتاح تمهيدي للبرنامج حيث قدم من خلالها موسيقات لأشهر أغاني السنباطي كما قدم من خلالها فرقته الموسيقية التي لها دور بارز في نجاح الحفل وكان ينقص هذه المقدمة بعض المعزوفات الصولو التي تقدم نجوم العزف في هذه الفرقة للجمهور ولكن نجده عوض ذلك في الأغاني التي حفلت ألحانها الأصلية بالعزف المنفرد. القصيدة البرنامج اهتم بالقصيدة التي كانت من أهم الاشكال التي تجلت فيها عبقرية السنباطي حيث جعلها في بداية وختام العرض وأيضا في وسط البرنامج حيث شدا أمجد العطافي بقصيدة الافتتاح "سلوا كئوس الطلا" كلمات أحمد شوقي كما أدي أيضا قصيدة "أشواق" أشعار مصطفي عبدالرحمن وفي القصيدتين استمعنا بغنائه والذي يمتاز بالإحساس العالي وخاصة أن القصيدتين من الأعمال التي تعد صعبة في الأداء من حيث التنوع في المقام والأسلوب التعبيري.. أما محسن فاروق فقد امتع الحاضرين بأغنية "سلو قلبي" التي جمعت أيضا بين أحمد شوقي والسنباطي ورغم ان هناك العديد من النجوم غنوها من قبل إلا أن أداء محسن جاء مميزاً ربما لجمال صوته وأيضا لتغلغله في تفاصيل اللحن ولهذا محسن يجب أن يخصص له فاصلا بمفرده لأنه متمكن ولديه ذكاء في اختيار الأعمال التي تناسب صوته وأيضا لها قيمة في التراث.. أما ريهام عبدالحكيم فكان ختام القصائد معها حيث قدمت "الأطلال" أشعار ابراهيم ناجي وهي من ريبرتوارها ودائماً نسمعها منها وتؤديها بجمال ولكن كنا نتمني ان نراها في عمل جديد لم يسبق لها أداؤه وهذا أيضا ينطبق علي مي فاروق التي قدمت أغنية "حيرت قلبي معاك" فالأثنان نجوم الكلثوميات بالأوبرا ومع حفل بهذه الأهمية كان يجب ان نري منهم الجديد والذي به تحد وخاصة انهما قادرتان علي ذلك.. من ألحان السنباطي والتي تغنت بها أم كلثوم قدمت مروة حمدي "علي بلد المحبوب" و"طوف وشوف" ادتها حسناء. تنوعت بعد ذلك الأغاني لتشمل أعمال لحنها السنباطي لمعظم مطربي عصره منها "شفت حبيبي" و"آه من العيون" و"إن كنت ناسي" واداءها بالترتيب تامر عبدالنبي وأحمد عفت ورحاب مطاوع وجاءت الأغاني مناسبة لأصواتهم ومن رصيدهم الفني واشتهروا بإدائها أما الأعمال التي جاءت علي درجة عالية من التنفيذ الجيد موسيقيا وغنائيا فكانت أغنية "لعبة الأيام" التي نستمع إليها لأول مرة من وعد البحري والتي استطاعت ان تكون ضمن نجوم المهرجان بصوتها الجميل دو القدرة علي الوصول للنغمات العالية وتشاركها في هذا إيمان عبدالغني في أغنية "يا حبيب الروح".. ولكن من فقرات الحفل الناجحة كانت دويتو "لحن الوفاء" الذي غناه كل من هاني عامر وسارة وكأننا نري الفيلم الأصوات تطابقت وتشابهت مع صوت كل من عبدالحليم حافظ وشادية في هذه الفترة العمرية هذا من الناحية الصوتية التي كانت متميزة جدا ولكن الرقصات التي صاحبت الأغنية جاءت أيضا متطابقة مع رقصات الفيلم بدون ابتكار جديد لكن عامة نقطة الضعف في العرض كانت الرقصات والملابس التي شوشرت علي الأغاني وذكرتنا بفوازير رمضان ولم تكن موظفة مع الكلمات والأغاني وأيضا ألوان الملابس ونوعها حيث كانت هناك عشوائية في الصورة التشكيلية الاستثناء الوحيد كان في أغنية "إلهي ما أعظمك" التي شدت بها آيات فاروق حيث جاءت الحركة الراقصة وملابس المطربة والراقصين متناغمة ومناسبة للعمل واضفت بجو روحاني جميل وتمثلت فيها أصول التصميم الشكلي خاصة ان ديكون محمود حجاج جاء كعادته مبتكراً ومناسبا.. لا ننكر ان الباليه من الفرق الرئيسية في الدار واشتراكه هام ولكن من الممكن أن تكون له فقرة خاصة يرقصون فيها علي موسيقي السنباطي بحركات يتم توظيفها بشكل فني علي أسس علمية توضح قيمة هذا الفن.. من سلبيات السهرة انه لم تكن هناك استراحة وكانت فترة الجلوس في المسرح طويلة مما اضطر خروج عدد من المتفرجين رغم جمال ألحان السنباطي الثرية. وأخيراً السهرة بشكل عام جمعت بين التجديد في التناول والثقافة والمعلومات الغزيرة والتنفيذ الموسيقي الجيد وأكد علي موهبة ونجومية أبناء الأوبرا.