طاوعني واسمع كلامي ولا تشغل بالك بموضوع ولا تبحث عن فكرة ولا عن حكاية لها بداية ونهاية وقوام فني.. أنت تشاهد "الآنسة مامي" شريط سينمائي خفيف آخر روقان وآخر هذيان ومسلي.. اكتفي فقط بالفرجة علي الآنسة "ياسمين عبدالعزيز" فهي منظر وأنوثة وحلاوة وفتونة تعادي الزواج وترفض الأمومة وتسخر منها وتذكر أننا في بلد يصرخ من معدل ارتفاع العنوسة!! والآنسة تطالعك بينما تمشي الهوين بكعب عالي جدا وحذاء "سنييه" ثمين ونظارة شمس ماركة عالمية وتضرب الرجال في "مقتل" بكوعها دون أن يتجاسر أي منهم برد العدوان بينما نخشي نحن من تيارات علي كل لون ترفع راية الدين وينتمي لها رجال تطالب بزواج الأنثي متي بلغت ولو كانت في سن التاسعة أو دون ذلك طالما "تطيق". والآنسة في فيلم امرأة خارقة تفضل الحب علي الزواج والمكسب الكبير علي بيت الزوجية وتسخر من حمل المرأة وعبودية الزواج وبرغم هذا كله فأنت أمام عمل يفضل الأسرة والزواج ويدعو للحياة الزوجية لأن المؤلف "خالد جلال" والمخرج "وائل احسان" لم يفقدا ولاءهما لقيم المجتمع ولا يرضيان بغير النجاح الجماهيري بديلا. الجزء الأول من الفيلم يقدم نصف العنوان فقط.. أي "الآنسة" أما "مامي" أي ماما والأبناء والحياة الزوجية فهي تبدأ مثل الكابوس في خيال الآنسة وتنتهي بضرورة الهرولة إلي الرجل والزواج منه قبل أن يطير وتتبخر فكرة الزواج منها!! فجوة كبيرة وما بين "الآنسة" و"مامي" محيط من الخزعبلات بقول آخر فجوة كبيرة حتي يستقيم الفيلم فنيا ويتسق بناؤه ويحقق التواصل المنطقي بين الأجزاء ويجعل للتفاصيل علاقة درامية مقبولة في السياق السردي فلا يبدو الفيلم مفككا ويفقد المتفرج حالة التواصل مع العمل ككل.. ولكن تواصل إيه؟؟ استقبل الفيلم حته.. حته.. زنجة زنجة ان شئت.. وليس كعمل كلي متجانس.. وتأمل باعجاب مناسب أو بحيادية أو باستخفاف لو كنت ناقدا سخيفا وتكره النجاح. تامل ياسمين عبدالعزيز كممثلة سلسة مطيعة تندمج في المشهد بتركيز أيا كان محتواه الموضوعي وتؤديه بالاستظراف والمبالغة المناسبة لاثارة الضحك وبالليونة التي توحي بالعفوية وهو أمر صعب لو علمت ان المشهد يصلك إلي الشاشة في نسخته الأخيرة بعد عدة بروفات أمام الكاميرا.. اذن لا تستحق بالجهد الخارق الذي تبذله هذه الآنسة - مامي المزة فهي حاضرة رغم أي شيء وخفيفة الظل ولديها ما يجعلك تطمئن علي مالك وعيالك.. والفيلم كما تري وتسمع مهضوم ويحقق إيرادات ويقدم لك كمتفرج عاشق للضحك بسبب ومن غير سبب التعويض المناسب. علي أي حال ياسمين عبدالعزيز لا تتحمل وحدها تبعات المطالب الترفيهية المكثفة لسيادتك.. هناك أطفال صغار دربهم المخرج وأحسن تقويمهم فنيا وعلي الطريقة المصرية وبما يتناسب مع أطفال "الثورة" فهم واعون و"فلتانون" ومدركون لأمور الكبار بما فيها الأمور الحساسة. وهناك كوميديانات قلة إلي جانب الكنز ياسمين.. منهم السيدة الزميلة الحامل والمرأة الحسود "ايمان السيد" التي تقدم بطريقتها صورة كاريكاتورية للمرأة أم عين صفرا التي تثير الفزع للمؤمنين بالحسد وتخيل واسرح ماذا يحدث حيث تتجاور هؤلاء المضحكات؟ ولا تنسي سعد الصغير والأغنيات الشعبية من نوع "هاتي حتة يا بت. هاتي بوسة يا بت" والكلمات كما تري فضلا عن الأداء يعبر عن نقيع وخلاصة الفن الشعبي في أكثر حالاته توافقا مع ذوقك فلا تبتئس لأنها أغنية علي ما يبدو مطلوبة ومرغوبة مع انها ليست ممنوعة. وفي الفيلم يؤدي حسن الرداد شخصية حبيب "الآنسة" ثم زوج "مامي" التي ترفض الزواج منه بعد حب دام خمس سنوات ثم تعود وقد تبينت ان الحب بلا زواج وأبناء واستقرار يعني الفشل ذاته وبعد أن كان الحب بلا أمل أسمي معاني الوصال. ولكن ذاك زمان وهذا آخر مشغول كامل الانشغال بالنصف الأسفل في التكوين الجسماني ويكاد لا ينشغل بسواه في السياسة وفي المجلس وفي الدستور وفي السينما. موضوعات فرعية يعالج الفيلم موضوع الأسرة ويقدم أكثر من حالة زواج. زواج الكبار الذي يطول زمنا ويصبح رباطا مقدسا يقويه وجود الأحفاد "أحمد فؤاد سليم وهالة فاخر" وزواج مستقر نوعا لجيل وسط "انتصار وهشام اسماعيل" وزواج بعد حب ثم اقتناع "ياسمين وحسن الرداد".. ولكن جميع هذه الحالات يتم تناولها بسطحية مفرطة وسرعة وتشخيص باهت لكل شخصية لان جميع من ظهروا مجرد سنيدة وخيوط واهية تضع اطارا حول الشخصية المركزية وأعني ياسمين عبدالعزيز وما تجود به قريحة المؤلف من افيهات وحيل للاضحاك وكيفية توليد النكتة من خلال اللفظ أو الحركة أو بالأداء الهزلي أحيانا كما في حالة حسن الرداد في مشهد الرقص أو داخل الطائرة مع ياسمين وجارتها المرأة الحسود وابنها البدين عديم التربية والفيلم بشكل عام يعتبر كوميديا حميدة ليس بها خبث أو آفات أصبحت سرطانية مثل العنف المفرط والامعان في شفط المخدرات والابتذال اللفظي والحركي المحروم من الذوق واللياقة فنيا وجماليا.. أو آفة الآفات وأعني هاجس الجنس الملح ودائم الحضور. مصانع "السبكي" تنتج الغث وأحيانا السمين وهو في كل الحالات حريص كل الحرص علي ارضاء جماهير السيما ولا يلتفت للنقاد كثيرا ولا يعنيه سوي شباك التذاكر. وهو كمنتج ناجح يتقي الله ويخشي غضب "أوليائه" ويستسلم لمشيئتهم. ولكن ليته يغامر مرة واحدة ويقدم عملا سينمائيا ضخما من دون حسابات الربح والخسارة يخدم قضايا الوطن الكبيرة بعيدا عن استثمار العشوائيات.. ومغامرات "آنسة" علي غرار "الآنسة مامي".. ويعتبر الفيلم حسنة جارية تبقيه في سجلات السينما كواحد من صناعها الصالحين!