الطريق إلي مضارب قبيلة العزازمة ليس سهلا بالمرة فهو كثير المنحنيات في أغلب الأوقات وغير ممهد وجبلي في أوقات اخري فقد قطعت بنا السيارة قرابة الثلاث ساعات للوصول إلي القري التي تقطنها القبيلة والتي تبعد عن مدينة العريش بنحو 160 كيلو مترا انطلقنا من مدنية العريش باتجاه منطقة لحفن إلي الجنوب عبر طريق العريش - المطار - لحفن ثم اتجهنا يسارا عند مفارق لحفن لننطلق تجاه معبر العوجة مرورا بأراضي قبيلة السواركة والتي تركناها بعد المرور بآخر مضارب قبيلة السواركة وهي قرية القريعة لندخل في مضارب قبيلة الترابين مرورا بقراها المقضبة وأولاد علي علي والتي تشتهر بمدافنها التي دفن فيها الأجداد القدامي لقبيلة الترابين.. القبيلة الأشهر بمنطقة وسط سيناء ويطل علينا يمينا جبل الحلال الجبل الأشهر بمنطقة الوسط ثم جبل أم شيحان واتجهت السيارة بنا يمينا عند مفارق قرية أم قطف لندخل في أعماق الصحراء حيث تحود الطريق الجبال من الناحيتين لنصل إلي منطقة القسيمة والتي تسكنها قبيلة التياها لنعبرها إلي طريق القسيمة - الكونتلا ويطلق عليه البدو طريق الستين لأن المسافة بين القسيمة والكونتلا ستين كيلو مترا ثم نتجه يسارا علي طريق القسيمة - الجايفة لنصل إلي مضارب قبيلة البريكات ثم نتجه يمينا مرة أخري لنصل إلي قرية الجايفة أولي القري التي تسكنها قبيلة العزازمة والتي ظللنا بها قرابة الساعتين نستمع إلي شكوي ابنائها ثم تركناها لنسير في طريق غير ممهد لمسافة تصل إلي كيلو ونصف الكيلو متر لنسير علي طريق اسفلتي تحوطه الجبال من كل جانب وبعد مسافة ثلاثين كيلو مترا انحرفت بنا السيارة يمينا تجاه وادي لصان وسارت بنا في طريق جبلي غير ممهد لمسافة 10 كيلو مترات لتصل إلي وادي لصان الذي يتكون من 13 تجمعا لقبلية العزازمة وتتميز منازل العزازمة باحتضان الجبال لها وتناثرها وتباعد المسافة بين البيت والآخر حتي لحقنا بصلاة الجمعة بمسجد القرية والتي يقوم زحد ابنائها ممن يعرفون القراءة والكتابة بخطبة الجمعة من كتيب يقرؤه لننتقل بعدها إلي المقعد نتناول اقداح الشاي وسط حديث عن المشاكل التي تواجه ابناء العزازمة. والعزازمة قبيلة بدوية قوامها قرابة 5 آلاف شخص يقيمون بمحيط منطقة القسيمة بوسط سيناء بقري لصان ووادي الجايفة ومنطقة بئر معين وتتبع هذه القري نحو 28 تجمعا بدويا لأهل القبيلة والذين عانوا كثيرا من التهميش والتجاهل والفقر في الخدمات في ظل النظام السابق والعزازمة هم من ابناء عزام بن كلب بن وبرة بن تغلب بن حلوان بن عمران بن الحافي بن قضاعة بن مالك بن عمرو بن مرة بن زيد بن مالك بن حمير بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان ويعرب هو أصل العرب وتعتبر العزازمة لب بئر السبع ومنازلهم مترامية الاطراف فإنها تمت من بئر السبع حتي وادي العربة وحدود سيناء وتقع بين أراضي قبائل التياها والترابين والسعيديين والأحيوات كما يعيش جزء منهم في الأردن وفي صحراء سيناء في مصر حيث تعد العزازمة احدي القبائل التي تسكن صحراء النقب وقبل ان تكون هناك حدود يقع جزء منهاع في سيناء والجزء الآخر في فلسطينالمحتلة فقد كانت مساكنهم موزعة هنا وهناك وبعد الحرب التركية البريطانية عام 1910 تم ترسيم الحدود ليتوزع ابناء العزازمة إلي قسمين احدهما داخل مصر يتبع الحكومة المصرية والاحتلال البريطاني والقسم الآخر يتبع تركيا التي كانت تسيطر في ذلك الوقت علي منطقة الشام التي تتبعها فلسطين وظل الوضع هذا بعد نكسة .1948 الحدث الأهم في تاريخ العزازمة هو الذي وقع عام 1953 عندما احد ابناء القبيلة بعملية فدائية داخل فلسطين علي اثرها قتل مواطن اسرائيلي فثارت ثائرة الصهاينة وقرروا الانتقام من كافة ابناء القبيلة وقامت الوحدة رقم 101 وهي الوحدة الأسوأ في تاريخ الجيش الاسرائيلي والتي كان قائدها حينذاك السفاح شارون الذي انتهز الفرصة وقرر القضاء نهائيا علي كافة افراد القبيلة فما كان منهم إلا ان عبروا إلي الحدود المصرية وطلبوا اللجوء إلي مصر فسمحت لهم الحكومة المصرية بالدخول إلي الأراضي المصرية ومن ثم اعطتهم بطاقة تعريفية تشير إلي أنهم يقيمون بمصر. بعد ذلك جاء عدوان 1956 ومن بعده جاءت حرب 1967 التي عرفت بالنكسة واحتلت إسرائيل سيناء مع الكثير من الأراضي العربية وقامت في هذا الوقت بتقسيم العرب في فلسطينوسيناء وكل المناطق العربية إلي قسمين الأول فرضت عليهم الجنسية الاسرائيلية وهم العرب الذين كانت مساكنهم في حدود الكيان الصهيوني قبل عام 1967 وسمتهم عرب اسرائيل أما القسم الآخر وهم العرب الذين كانت مساكنهم خارج كيان اسرائيل قبل هذا التاريخ فلم تعطهم جنسيتها بل اعطتهم بطاقات مكتوبا فيها كلمة "عربي" وهو الأمر الذي شمل عزازمة 1953 الذين ظلوا في سيناء وبقي الوضع بهذه الصورة طوال فترة الاحتلال الصهيوني لسيناء إلي أن تحررت سيناء خلال حرب أكتوبر المجيدة عام 1973 وظل معظم ابناء القبيلة لا يحملون أي جنسيات ويعانون من التهميش والعزلة حيث يطلق عليهم "البدون" أي غير معيني الجنسية. ووفقا لابناء القبيلة فإن وثيقة السفر الحالية التي تصدرها لهم الحكومة المصرية بدأت بشكلها الحالي في مبلغ 2001 بعد قيام القبيلة بالدخول إلي الأراضي الاسرائيلية نتيجة التضييق عليهم من قبل النظام السابق حيث كانت الوثيقة التي يحملونها مجرد ورقة من الكرتون مكتوب عليها اسم الشخص واسم الشيخ المصري الذي يضمنه علي الأراضي المصرية وتلك الوثائق القديمة والجديدة يجددها ابناء العزازمة بشكل سنوي من مديرية الأمن بشمال سيناء مقابل 200 جنيه للفرد بينما تصل مصاريف استخراجها لأول مرة إلي 400 جنيه وهي أشبه بجواز السفر ويتم استخراجها منذ ميلاد الطفل والغريب ان الاسرة الواحدة بها من الاخوة من يحملون الجنسية المصرية ويمتلكون بطاقة رقم قومي وآخرون لديهم وثيقة غير معيني الجنسية. وليست الأمر يظل هكذا فقد صدرت قرارات ادارية من مديرية التربية والتعليم بمحافظة شمال سيناء بطرد التلاميذ الذين لا يحملون الجنسية المصرية من المدارس وعدم قبولهم مرة أخري إلا بعد سداد الرسوم المقررة فأصبح لدي رب الاسرة تلميذ يذهب إلي المدرسة لحمله الجنسية المصرية وشقيقه مطرود من المدرسة لأنه غير معين الجنسية كما ان استخراج قسيمة الزواج بالنسبة للغير معيني الجنسية بتم بالسفارة الفلسطينية بالقاهرة نظير رسوم تقدر بألفي جنيه علي اعتبار ان جذورهم فلسطينية ولذلك يعزف كثير من ابناء القبيلة عن تسجيل الزواج وما يترتب عليه من مشاكل مستقبلية وعدم حصول الاطفال علي حقوقهم في التعليم والصحة والوظائف الحكومية وعند استخراج رخصة قيادة يتم كتابة الجنسية "اجنبي" ويتم التعامل مع ابناء القبيلة علي أساس انهم أجانب وليسوا مصريين بالرغم من انهم طيلة حياتهم بمصر ولدوا وتربوا علي أرضها ويحرسون حدودها الشرقية. ليست الجنسية أو الأوراق الرسمية وعدم تمكنهم من استخراج شهادة ميلاد لاطفالهم أو حتي شهادات وفاة أو رخصة قيادة أو امتلاك منزل لعدم حصولهم علي الجنسية المصرية هي المشكلة الوحيدة التي يعاني منها ابناء قبيلة العزازمة بسيناء فهم كغيرهم من ابناء وسط سيناء يفتقدون لأي مظهر من مظاهر التنمية والخدمات الصحية وحتي البنية التحتية الضعيفة تضررت بشدة خلال السيول الأخيرة التي ضبرت المحافظة العام قبل الماضي.. يعد انخفاض مستوي التعليم واحدة من المشكلات التي يعاني منها ابناء قبيلة العزازمة ورغم انتشار الزمية بينهم إلا ان شيوخ القبيلة اهتموا بتعليم صغارهم فأنشأوا مدرسة بالجهود الذاتية في 1999 بمنطقة الجايفة بدون أي مساعدة حكومية لكنها لم تصدم أمام احدي موجات الأمطار القوية التي تضرب المنطقة من وقت إلي آخر ولم تفكر الحكومة في بناء مدرسة جديدة لابناء العزازمة بل نقلت الطلاب وكتبهم ومقاعدهم الخشبية إلي الدور الأرضي من وحدة صحة المرأة المهجورة ووضعت علي المبني لافتتين الأولي لوحدة صحة المرأة والثانية لمدرسة حملت عنوان "ملحقة الجايفة العزازمة" أما المبني من الداخل فقد تحولت غرف الكشف إلي فصول للطلاب وسكن للمدرسين بينما نقش الطلاب جدول حصصهم علي الجدران حالها كحال معظم المدارس في تجمعات العزازمة والتي تفتقر إلي العملية التعليمية فهي تعاني من نقص المعلمين حتي ان مدرسة كاملة بها مدرس واحد يقوم بضم الفصول حتي يتمكن من تعليم التلاميذ. تقديرات قبلية قالت ان الظروف الصعبة دفعت 5% من ابناء القبيلة إلي هجرة مضاربهم والانتقال للعيش في العريش واماكن متفرقة من سيناء والاسماعيلية سعيا وراء الرزق.. الحدث الاهم في تاريخ العزازمة دخولهم إلي إسرائيل عام 1999 مصطحبين معهم متاعهم وجمالهم واطفالهم وذلك عبر صحراء النقب قيل وقتها لخلافات قبلية ولكن الحقيقة هو تضييق النظام السابق علي ابناء القبيلة وحملات التفتيش المستمرة لمنازلهم إلا ان وصل الأمر إلي سرقة ممتلكاتهم وأموالهم. وقد نظم ابناء العزازمة وقفات احتجاجية علي الحدود بالقرب من احدي النقاط التابعة لقوات حفظ السلام مطالبين بحصولهم علي الجنسية المصرية لأنهم ولدوا وتربوا وعاشوا علي أرض سيناء ويعيشون في سجن كبير فلا يستطيعون السفر خارج مصر لأنهم غير معيني الجنسية كما لا يستطيعون اداء الفروض الدينية والذهاب إلي الأراضي السعودية للحج أو العمرة فقد تقدم 55 منهم لأداء فريضة الحج العام قبل الماضي لكنهم لم يتمكنوا من السفر إلي الأراضي الحجازية لعدم حملهم الجنسية المصرية أو أي جنسية أخري فهم غير معيني الجنسية. أبناء قبيلة العزازمة ارسلوا عشرات الشكاوي والاستغاثات إلي الرئيس السابق وإلي جميع الجهات السيادية إلا ان أحدا منهم لم يرد عليهم لذا قرروا أخيرا اللجوء إلي القضاء للمطالبة بحقهم في الحصول علي الجنسية المصرية في خطوة توصف بأنها الأولي في تاريخ القضاء المصري خاصة بعد اجتماع مع احدي الجهات السيادية التي وعدتهم بحل مشكلة الجنسية خلال شهر نوفمبر من العام قبل الماضي 2010 إلا ان أي تقدم علي هذا الصعيد لم يحدث. وبرغم عشرات المكاتبات بين الوزارات المعنية والمحافظة بشأن منح الجنسية لأبناء القبيلة.. إلا أن أيا منهم لم يحصل عليها بالرغم من حصر اسمائهم في كشوف.