دفعت قرارات البرلمان ومناقشاته لمشاريع القوانين، خلال الفترة الأخيرة، إلى أن يكون مثار سخرية المواطنين، بالتزامن مع ما يلاقيه المواطن من جحيم الحياة واكتوائه بنار الأسعار، ليكون المثال الدارج "هم يبكى وهم يضحك" خير معبر على حال المصريين بعد أن فقدوا الأمن في ممثلهم. الثلاثاء الماضي، أثير الجدل حول قرار للجنة الخطة والموازنة جرى مناقشته بمجلس النواب، حول فرض 100 جنيه رسومًا على جهاز "راديو" السيارة، قبل أن تقرر اللجنة إرجاء القانون لمدة ثلاثة أشهر. قررت لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب، إرجاء إقرار تعديل بعض أحكام القانون رقم 77 لسنة 1968 بشأن رسوم الإذاعة والأجهزة اللاسلكية، الذي يقضى برفع رسم مقداره 140 قرشا على كل مالك سيارة بها جهاز راديو إلى 100 جنيه سنويا لمدة 3 أشهر، لافتة إلى أن زيادة الرسم يجب أن يواكبها إعداد خطة تطوير لجهاز الإذاعة والتليفزيون. وعلق الكاتب الصحفي عبد الناصر سلامة، ورئيس تحرير الأهرام الأسبق، على مناقشة القرار، ساخرًا: "ما أتوقعه مستقبلاً هو فرض ضريبة على تكييف السيارة، ثم على المرآة، وقد يكون على «الكلاكس»، باعتبار أن كل هذه يمكن الاستغناء عنها من وجهة نظر المشرعين الذين يبدو أنه قد ضاقت بهم السبل لتنمية موارد الدولة من إنتاج حقيقي بدلاً من تحصيل الجبايات بين الحين والآخر، والتبرعات بصناديق مختلفة، وهبات ومعونات من هنا وهناك". وأضاف سلامة خلال مقالة له: "بالتأكيد حل مشكلة الإذاعة والتليفزيون في مصر، أو غير مصر، ليس أبداً بتحميل المواطن فوق طاقته، وإنما بالبحث في الأسباب الحقيقية للخسائر، تخمة الموظفين بالدرجة الأولى، ناهيك عن الفشل الإداري لسنوات طويلة، لم نسمع حتى الآن ولا قبل الآن عن خطة طموح لإعادة هيكلة ذلك القطاع تحد من خسائره، لم نسمع عن خطة للنهوض به على المستوى المهني، لم نسمع عن خطة لتطوير الأداء بما يواكب متطلبات العصر، من حيث الحريات والشفافية والتناول الإعلامي الصادق، بما يعود به إلى حيّز المنافسة مرة أخرى، في ضوء المتغيرات اليومية في هذا المجال". ومنذ انعقاد أولى جلساته في يناير الماضي، تعاقبت على مجلس النواب أزمات وقضايا هزت الرأي العام المصري، بدأت بأزمة أمناء الشرطة واعتدائهم على مواطنين، ثم أزمة مقتل الطالب الإيطالي جوليو ريجينى، مروراً بأزمة نقابة الصحفيين، وسلسلة حرائق بمختلف محافظات الجمهورية، وأزمة طائرة مصر للطيران المنكوبة، والفتنة الطائفية في المنيا، واقتصر دور النواب خلال تلك الأزمات على التنديد وتقديم البيانات العاجلة، في وقت علا صوتهم أمام قضايا مفتعلة لم يكن لها أي خطورة على الأمن القومي المصري كسابقها من الأزمات، مما اعتبره خبراء ضعفاً في دور المجلس يجعل أداءه ضعيفًا وإن لم يكن موجودا من الأساس. وفي تطور جديد، حذر الدكتور علي عبد العال، رئيس مجلس النواب، أعضاء المجلس من الحديث عن السياسة النقدية للدولة في وسائل الإعلام وسعر الدولار، مهددًا بتحويل من يخالف ذلك إلى لجنة القيم. وأضاف عبدالعال، خلال حديثه بالجلسة العامة، "دأب البعض على الظهور في البرامج التليفزيونية، متناولًا الحديث عن السياسة النقدية للدولة، ولما كان الحديث في هذا الشأن يضر بالاقتصاد القومي، وأرجو من أعضاء المجلس عدم الظهور للحديث على السياسة النقدية، وإلا سيحال من يخالف ذلك للجنة القيم". وقد لاقى تهديد عبد العال سخرية المراقبين، الذين اعتبروا أن مجلس النواب فقد رونقه. قال الإعلامي إبراهيم عيسى، مقدم برنامج "مع إبراهيم عيسى"، عبر قناة "القاهرة والناس"، إننا "أمام مشهد تحول فيه مجلس النواب لمجلس آباء". وأضاف عيسى أن تصريح الدكتور علي عبدالعال، رئيس مجلس النواب، الخاص بمنع انتقاد السياسات النقدية للحكومة، يحوله من رئيس للمجلس إلى رئيس لمجلس الدفاع الوطني. رغم الأزمات الداخلية والخارجية التي تهدد مصر، وعدم إنجاز البرلمان المنتخب أي تقدم فيها، إلا أن ذلك لم يمنع رئيس مجلس النواب على عبد العال من توجيه تحذير للمرة الثانية لأعضاء مجلسه، بعدم التوجه لمراكز بحثية، تحرض النواب على انتقاد سياسة الدولة وتجريح المؤسسة التشريعية، وفقا لوصفه. الباحث في الشؤون البرلمانية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والأستراتيجية أكرم ألفى، يقول، إن ما يحدث داخل أروقة البرلمان، له بعدان، البعد الأول له علاقة برئيس البرلمان، موضحًا أن على عبد العال رئيس المجلس لا يفرق بين رئاسته للنواب وزعامته للأغلبية، مؤكدًا أن عبد العال يلعب الدورين، وهذا ما يثير الجدل في القرارات التي يتخذها المجلس. وتابع الباحث في الشؤون البرلمانية ل"المصريون": البعد الثاني يكمن في تفاعل النواب مع القضايا التي تحمل بعدًا أمنيًا على البعد السياسي، مما يدفع إلى اتخاذ القرارات التي تبدو مثيرة للجدل. وكل تلك المظاهر والمواقف البرلمانية تأتى امتدادًا لمواقف سابقة أثارت موجة من الضحك في الشارع المصري، كان أبرزها حين اقتطع النواب جزءًا كبيرًا من وقت إحدى الجلسات لمناقشة سخرية الدمية "أبلة فاهيتا" من النواب، مطالبين بوقف البرنامج فورًا. واعتبر مصطفى بكرى، عضو مجلس النواب، برنامج "أبلة فاهيتا"، أنه يمثل إهانة للبرلمان والمجتمع المصري بأثره، مؤكدًا أن هناك انفلاتًا إعلاميًا، مشيرا إلى أن برنامج "أبلة فاهيتا" يمثل مساسًا بالبرلمان وخروجًا عن النقد المباح ولا بد أن تراعى مثل هذه البرامج حرية النقد الصحيح بعيداً عن الإهانة. وفي ضوء ذلك، أعلن رئيس مجلس النواب، الشهر الماضي، أن البرلمان سيصدر بياناً يدين فيه سخرية برنامج "أبلة فاهيتا"، المذاع على قناة "سي بي سي" الفضائية الخاصة، من النواب، مطالباً بعدم الحديث مع مثل هذه الفضائيات ومقاطعتها لإساءتها للنواب. وطالب عبدالعال، أعضاء المجلس قبل ظهورهم في البرامج التليفزيونية أن يكونوا على دراية تامة بكل القضايا، وعلى علم بجرائم السب والقذف، مع مراعاة عدم الانسياق وراء الجرائم التي ترتكب في حق المجلس.