استيقظت مصر صباح هذا اليوم على نبأ اختفاء طائرة مصر للطيران القادمة من باريس وعلى متنها أكثر من ستين شخصا ، نصفهم تقريبا من المصريين وآخرون من جنسيات مختلفة منهم خمسة عشر فرنسيا ، وبطبيعة الحال ظلت الأعين مشدودة إلى شاشات التليفزيون وشبكات الانترنت لمتابعة تطورات تلك الحادثة لحظة بلحظة ، والأنفاس محبوسة ، وكانت الصدمة واضحة على الجهات الرسمية التي اضطربت في البداية تصريحاتها وتناقضت أحيانا مما كان له مردود سلبي ، ثم بدأت الأمور تتكشف تدريجيا عندما تم التسليم بأن الطائرة سقطت بالفعل في مياه البحر المتوسط ، وعند كتابة هذه السطور كانت البحرية اليونانية تعلن عثورها على أجزاء من حطام الطائرة . أهم ما في أعقاب الحادث أمران بطبيعة الحال : تحديد أسبابه ، ثم تحديد المسئولين عن الحادث ، سواء كان بأخطاء فنية أو بعمل إرهابي ، وهي الأمور التي تستغرق فترات زمنية قد تمتد إلى شهور ، وإن كان في العادة تكون هناك مؤشرات أولية مرجحة لأسباب الحادث ، وحتى الآن صدرت إشارات من خبراء دوليين تتحدث عن بروز فرضية العمل الإرهابي في هذه الحادثة ، الأول عن خبير الطيران الدولي الكويتي سامي النصف رئيس شركة الخطوط الجوية الكويتية ، وقد ثبتت صحة تحليلاته سابقا في أكثر من حادثة ، وكان أول خبير دولي يرجح سقوط الطائرة الألمانية في أسبانيا قبل أشهر بعمل انتحاري من قائدها ، وهو ما ثبت بعد ذلك ، وقد اعتبر النصف أن احتمالات العمل الإرهابي في حادث سقوط طائرة مصر للطيران القادمة من باريس تصل إلى 50% ، وأن احتمالات خلل كبير وطارئ تصل إلى 25% وأن احتمالات أن يكون الطيار قد تعمد إسقاط الطائرة تصل إلى 25% ، وهذا يعني أنه يرجح بقوة فرضية العمل الإرهابي . في هذا التوجه أيضا قال الخبير الروسي ألكسندر بورتنيكوف، مدير ال"إف إس بي" جهاز الأمن الروسي (هيئة الأمن الفدرالية الروسية) أن الطائرة المصرية القادمة من باريس أسقطت بعمل إرهابي ودعا إلى اتخاذ كل الإجراءات الممكنة لملاحقة المتورطين في هذه العملية البشعة ، وكان رئيس الوزراء المصري شريف إسماعيل قد قال في تصريحات صحفية أنه لا يستبعد فرضية العمل الإرهابي في إسقاط الطائرة ، وكنت أتمنى أن لا يتعجل هو طرح هذا الكلام لحساسيته للجانب الفرنسي ، وحتى لا يقارنه آخرون بالموقف من الطائرة الروسية والتصريحات المصرية المتحفظة وقتها ، فالمسئولون الكبار تكون تصريحاتهم بحساب دقيق . فرضية العمل الإرهابي تبرئ مصر من الحادثة على سبيل القطع ، وتكون المسئولية الكاملة للجانب الفرنسي ، لأن الطائرة خرجت من مطار فرنسي ، ويفترض أن إجراءات الأمن والسلامة والتفتيش على سلامة الطائرة والركاب من مسئولية الجهات الأمنية الفرنسية ، فإذا صح أن قنبلة زرعت في الطائرة فستكون المسئولية على السلطات الفرنسية حصريا ، ولذلك أعتقد أن السلطات الفرنسية متحفظة كثيرا في إعلان هذه الفرضية حتى الآن ، لأن تكاليفها السياسية والأمنية والاقتصادية ستكون كبيرة . فرضية العمل الإرهابي أيضا تخفف العبء عن الجانب المصري ، لأنه ليس مسئولا عن إجراءات الأمن والسلامة والتفتيش والرقابة في المطارات الفرنسية ، وإن كانت شركة مصر للطيران ستتعرض للضرر الأكيد أيا كانت الاحتمالات ، سواء كان عملا إرهابيا أو أخطاء فنية ، وسوف تنزف من سمعتها كشركة موثوقة عالميا ، خاصة وأن العملية تأتي بعد أسابيع قليلة من حادث اختطاف طائرتها إلى قبرص ، فإعطاء رسالة بأن الشركة مستهدفة بالأعمال العدائية يضرها اقتصاديا بكل تأكيد . استهداف الطائرات المدنية بالأذى عمل وحشي وإجرامي بشع للغاية ، أيا كانت خلفياته أو أطرافه وأيا كانت جنسيات تلك الطائرات أو ركابها ، وفي ظل الجنون الذي يجتاح العالم الآن مشحونا بأحقاد ومرارات وصراعات دموية مروعة ، ستكون هناك مسئوليات مضاعفة على سلطات النقل الجوي لتطوير قدرات الرصد والتفتيش والحماية ، قبل أن ينجح الإرهاب في إصابة المرفق كله بالانهيار الشامل بفعل الخوف وفقدان الثقة .