فيما يعقد وزراء خارجية دول أوروبية والولايات المتحدة ودول الجوار الليبي الاثنين 16 مايو 2016 في فيينا اجتماعاً لمناقشة الأزمة الليبية، يرصد خبراء ومراقبون سياسيون من ليبيا وخارجها مجموعة تحديات تمنع حكومة الوفاق من تفعيل دورها في إدارة شؤون البلاد. اجتماع فيينا الذي يترأسه، وزير الخارجية الإيطالي باولو جنتيلوني ونظيره الأميركي جون كيري، بحضور حوالى 20 من كبار الدبلوماسيين. ويأتي الاجتماع حول ليبيا فيما تواجه حكومة الوفاق الوطني المدعومة من المجتمع الدولي تهديدات إضافية من قبل تنظيم الدولة الإسلامية وصعوبات سياسية تتمثل في عجزها عن توحيد سلطات البلاد بعد شهر ونصف من دخولها إلى طرابلس. من جانبه قرر المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني الليبية أن يباشر الوزراء المكونين للتشكيلة الحكومية التي تقدم بها رئيسه فائز السراج لمجلس النواب المنعقد في طبرق، شرقي البلاد، لمنح الثقة، مهامهم كوزراء مفوضين لحين أداء القسم القانوني. وفي بيان نشره الاثنين على صفحته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" قال المجلس إن "التفويض الممنوح لأداء مهام الوزراء هو إلي حين أداء القسم اليمين القانونية"، الأمر الذي يعني اعتماد المجلس علي بيان منح الثقة من بعض النواب الذين دعوا خلاله أعضاء حكومة الوفاق لأداء اليمين القانونية في أقرب فرصة. ورصد خبراء ومراقبون سياسيون من ليبيا وخارجها مجموعة من التحديات التي تمنع حكومة الوفاق من تفعيل دورها في إدارة شؤون البلاد، من أبرزها "تمرد" الجنرال خليفة حفتر على هذه الحكومة، والتدخلات الخارجية التي تشجع الأخير على الاستمرار في "تمرده". وفي أحاديث منفصلة، طرح هؤلاء الخبراء والمراقبون مخاوف تنتظر ليبيا، في ظل استمرار الانسداد في الوضع السياسي الراهن، ويأتي من بينها احتمالات "إعلان انفصال المنطقة الشرقية" عن البلاد، أو إعلان حفتر ومجلس النواب المنعقد في مدينة طبرق، شرقاً، "مجلس إنقاذ عسكري" لقيادة البلاد. واتفق عددٌ منهم على أن المعركة المنتظرة في مدينة سرت، غربي البلاد، لطرد تنظيم "داعش" الإرهابي منها، والتي بادر أكثر من طرف بينها القوات التابعة لحفتر إلى المشاركة فيها، ستكون حاسمة للصراع في ليبيا؛ حيث سينجم عنها تحديد الطرف المنتصر والمؤهل لقيادة البلد. وخلال المرحلة الانتقالية التي تلت إسقاط نظام الرئيس الراحل معمر القذافي في ليبيا عام 2011، حدث انقسامٌ سياسي في هذا البلد تمثل في وجود حكومتين وبرلمانين وجيشين تعمل في البلاد في آن واحد؛ إذ كانت تعمل في طرابلس (غرباً) حكومة "الإنقاذ الوطني" و"المؤتمر الوطني العام" (بمثابة برلمان) ولهما جيشٌ انبثق عنهما، بينما كان يعمل في الشرق "الحكومة المؤقتة" في مدينة البيضاء و"مجلس النواب" في مدينة طبرق، ولهما جيشٌ آخر انبثق عنهما. قبل أن تتفق أطراف متصارعة في ليبيا، في 17 ديسمبر 2015، وعبر حوار انعقد برعاية أممية في مدينة الصخيرات المغربية، على توحيد السلطة التنفيذية في حكومة واحدة هي "الوفاق الوطني"، والتشريعية في برلمان واحد، إضافة إلى توحيد الجيش، وإنشاء "مجلس أعلى للدولة" يتشكل من أعضاء "المؤتمر الوطني العام" في طرابلس، وتتمثل مهامه في إبداء الرأي ل"حكومة الوفاق" في مشروعات القوانين والقرارات قبل إحالتها إلى مجلس النواب. لكن حكومة الوفاق لم تتمكن على مدى عدة أشهر من الانتقال من تونس إلى طرابلس, بسبب استمرار الخلافات السياسية بين طرفي الصراع في ليبيا، والتي حالت دون حصولها على ثقة مجلس النواب، قبل أن تبادر هذه الحكومة بالتوجه إلى طرابلس، أواخر شهر مارس الماضي، من أجل البدء في ممارسة مهامها دون الحصول على موافقة هذا المجلس. وعن التحديات التي تقف في طريق حكومة الوفاق، والتي لم تتمكّن حتى الساعة من الإمساك بمفاصل السلطة في البلاد، تحدث الباحث الليبي في الشؤون السياسية، محمد حسين بعيو، عن "تمرد" مجلس النواب في طبرق على حكومة الوفاق، متوقعاً أن يصر المجلس على عدم "منح هذ الحكومة الثقة للمضي". وقال "بعيو" للأناضول إنّ مجلس النواب "منحاز" بشكلٍ كامل إلى "فكرة إعلان مجلس إنقاد عسكري (في ليبيا)؛ نظراً لخضوعه الكامل لسيطرة حفتر"، حسب رأيه. "بعيو" الذي سبق له العمل كمستشار سياسي لعمر الحاسي، الرئيس السابق لحكومة "الإنقاذ" في طرابلس، حذر من "خطورة" سياسات "مجلس النواب" الرامية إلى "استنساخ تجربة السيسي, والتي ستؤدي حتماً إلى انفصال المنطقة الشرقية (حسب رأيه), إذا فشلت محاولاته في السيطرة على مدينة سيرت التي باتت المركز الأهم لحسم الصراع في البلد". وكان مجلس النواب أخفق خلال الفترة الماضية لنحو 10 مرات في عقد جلسة لمنح الثقة من عدمها لحكومة الوفاق, بسبب عدم اكتمال النصاب القانوني لأعضائه اللازم لصحة الجلسة قانوناً، واستمرار الخلافات السياسية بين أعضائه حول الحكومة. وكان تنظيم "داعش" ظهر في ليبيا العام الماضي، ويعتبر مراقبون أن مقطع الفيديو الذي بثه التنظيم لعملية إعدام 21 مسيحياً مصرياً بمدينة سرت، في 13 فبراير من العام ذاته، كان بمثابه إعلان رسمي من التنظيم عن ظهوره في هذا البلد العربي، رغم وجود عملياتٍ نوعية منسوبة له قبل هذه العملية. ويسيطر التنظيم على سرت، منذ مايو من العام الماضي؛ بعد انسحاب "الكتيبة 166"، التابعة لقوات "فجر ليبيا"، والتي كانت مكلفة من قبل "المؤتمر الوطني العام" بتأمين المدينة. ورغم مرور أكثر من عام على ظهور "داعش"، لم تتخذ القوات الليبية سواء تلك التابعة ل"مجلس النواب"، أو التابعة ل"المؤتمر الوطني"، خطواتٍ جادة على الأرض لقتال التنظيم، قبل أن يتبدل الحال خلال الأسابيع الأخيرة, حيث وجه المجلس والمؤتمر قوات باتجاه المدينة في مسعى لإنهاء سيطرة التنظيم عليها.