التوافق على رئيس مؤقت ينتخبه مجلس الشعب الحالى ثم يتم حله وفقًا لفكرة البرادعى.. كارثة تعنى العودة إلى المربع الأول، وإدارة الحكم من الشارع الذى يعكس نظرية نظام "الجماهيرية" لمخترعه معمر القذافى، وهذا واقع ما ينادى به بضع مئات فى ميدان التحرير وماسبيرو، مع أن الانتخابات الرئاسية على الأبواب. الأزمة ليست فى التعجيل بنقل السلطة، فالوقت إلى نهاية يونيه قريب جدًا ولا يمكن التعجيل أكثر من ذلك.. الأزمة تكمن فى التفسير الذى تشيعه الأقلية بأن الشرعية الوحيدة هى شرعية الثورة والميدان. هذه الأقلية تمثل حسب انتخابات مجلس الشعب 10% بحسب المقاعد التى حصلت عليها، ومع ذلك تريد فرض تفسيرها.. والسؤال الذى نطرحه عليهم من منطلق الحرص على البلاد.. إذا كانت الديمقراطية ليست انتخابات كما تتحدثون الآن.. فهل الديمقراطية هى تطبيق نظام الجماهيرية؟! لا نجد أقرب لما ينادون به سوى النظرية الثالثة التى ابتدعها القذافى وأسس بها نظام الجماهيرية فأثار سخرية العالم كله.. وها هو محمد البرادعى يدعو إليه بين سطور بياناته وأفكاره دون قصد. شرعية الثورة هى الوجه الآخر للجماهيرية التى تجعل إدارة الدولة ظاهريا لسلطة الميادين والشوارع.. إلا أن السلطة الحقيقية يملكها المحرضون، ولعلنا نتذكر أن القذافى كان يصف نفسه بالمحرض! الاستثمارات الأجنبية والضخ الاقتصادى لن يأتيا إلا بالثقة فى نظام ديمقراطى راسخ وثابت، تتداول عليه السلطة بالانتخابات الحرة والنزيهة. النتائج ستأتى كارثية فى حالة العمل بمقترح الرئيس المؤقت وتعطيل العملية برمتها لحين إتمام عملية صياغة دستور يريد لها البرادعى أن تمتد لسنوات كضمانة لئلا يكون دستورًا مسلوقًا، كما يردد فى أحاديثه وبياناته. مشكلة البرادعى الاعتقاد أن الدستور بمثابة اختراع للعجلة وهو ليس كذلك. أى دستور يؤسس على مجموعة من الدساتير ويجرى التغيير والحذف والإضافة وفق المتطلبات الجديدة. الدستور الحالى 1971 من الدساتير الممتازة فى الحريات الشخصية وحقوق الإنسان والمواطنة، وتعيبه الصلاحيات شبه المطلقة لرئيس الجمهورية والمنقوصة للبرلمان والحكومة، ويمكن علاج ذلك والتعديل والتطوير فى مواده. أيضًا مشروع دستور 1954 الذى يعتبره الفقهاء الدستوريون نموذجًا متقدما جدا للحريات السياسية وسيادة القانون واستقلال القضاء والسلطات الواسعة التى يمنحها للبرلمان. تستطيع لجنة الدستور إنجازه فى أسبوع واحد ولن يعتبر سلق بيض. الشهور الطويلة أو السنوات التى يريدها البرادعى تفتح الباب للخلافات السياسية التى لا طائل منها وتدفع بأجندة طائفية ودينية.. وقد تنتهى بصراع وتغيير فى الخارطة، فتتعرض مصر لفراغ دستورى وللانقلابات العسكرية. والغريب أن مروجى فكرة الرئيس المؤقت أو المجلس الرئاسى هم أنفسهم الذين دعوا فى هوجة الانتخابات أم الدستور أولا، إلى بقاء المجلس العسكرى فى السلطة سنتين أو ثلاثًا حتى تستعد الأحزاب السياسية الأخرى ويكتسب شباب الثورة الخبرة اللازمة! استبعد تمامًا الاستجابة لطرح الرئيس المؤقت لعدة أسباب.. أولها أن حملة الدستور أولا لم تنجح من قبل، وثانياً أن ميدان التحرير لم يعد عقب انتخاب البرلمان قوة ضغط على صانعى القرار، وثالثا أنه نشأت حالة عشرة بينهم وبين الاعتصامات والمظاهرات فى ميدان التحرير. انتخابات مجلس الشورى بدأت فعلا، والطريق إلى نهاية يونيه ليس ببعيد، والتعجل سيكون أشبه بسقط الحمل. [email protected]