ينتظر السعوديون بمزيج من الأمل والترقب الإعلان عن خطة تهدف لتحرير اقتصاد المملكة من الاعتماد الكثيف على النفط وتشمل إصلاحات جذرية لكنها قد لا تخلو من بعض التحديات. ومن المنتظر أن يعلن ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان "رؤية السعودية 2030" غداً الاثنين التي من المتوقع أن تحدد أهدافاً للأعوام ال15 المقبلة وتضع جدول أعمال موسعاً لتحقيقها. ومن المتوقع الإعلان عن التفاصيل الاقتصادية للرؤية التي تُعرف باسم "خطة التحول الوطني" خلال 4 إلى 6 أسابيع، وستشمل إصلاحات للموازنة العامة وتغييرات تنظيمية ومبادرات للسنوات ال5 المقبلة. وتدور التكهنات في أوساط السعوديين بخصوص فحوى الخطة على الشبكات الاجتماعية والصحف وفي المحادثات الشخصية. ويبدي الكثير لاسيما الشباب ترحيباً وتفاؤلاً بالخطة التي يتوقعون أن تعمل على توفير الوظائف وإتاحة فرص اقتصادية جديدة، وربما المزيد من الحريات الاجتماعية كالسماح للمرأة بقيادة السيارة. في المقابل يتشكك البعض في إمكانية إحداث قدر كبير من التغيير في المجتمع السعودي المحافظ، ويتخوف آخرون من أن تكون الإصلاحات مؤلمة من الناحية المالية مع توجّه لفرض ضرائب ورسوم لدعم المالية العامة وعزم الحكومة الدفع بمزيد من السعوديين للعمل في القطاع الخاص الذي لا يحظى بمميزات القطاع الحكومي. وبلغ عدد متابعي الحساب الرسمي لروؤية السعودية 2030 على موقع تويتر نحو 226 ألف متابع منذ إطلاقه رسمياً يوم الأربعاء الماضي. وغرد الكاتب الاقتصادي البارز عبدالحميد العمري قائلاً إن الرؤية المستقبلية 2030 هي حلم برؤية شاملة للاقتصاد راوده لأكثر من 10 أعوام مضت. وقال في تغريدة أخرى: "تسبب غياب رؤية السعودية2030 في هدر تريليونات الريالات (مئات المليارات من الدولارات) والبطالة والفقر وتأخر مشاريع التنمية". وأضاف: "لا يمثل وضع رؤية السعودية سوى خطوة أولى بطريق المليون ميل! يبقى الأهم آلية التنفيذ ومن سيعمل عليها". وعلى مدى العقود الأخيرة تبنت المملكة عدداً من خطط الإصلاح، لكنها لم تحدث سوى نتائج متواضعة، وهو ما قد يفسر عدم صعود الأسواق المالية بقوة قبل الإعلان المنتظر. وتوفر حزمة الإصلاحات الاقتصادية الجديدة التي تعتزم السعودية تنفيذها، "على الأقل 100 مليار دولار سنويا بحلول 2020، وستضاعف المداخيل غير النفطية للسعودية ب3 مرات" بحسب ما قاله الأمير السعودي لصحيفة "بلومبرج" نهاية الأسبوع الماضي. وتعتزم الرياض فرض ضريبة للمشتريات (القيمة المضافة)، والتي توقع الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، أنها ستدر 10 مليارات دولار سنوياً بحلول عام 2020، في حين أن هيكلة الدعم ستوفر 30 مليار دولار سنوياً، وفقاً لوكالة الأناضول. وخصصت الصحف السعودية في عددها الصادر اليوم، مساحات للخطة المرتقبة، من بينها جريدة "الرياض"، التي أشارت أن خطة التحول ستزيد من رفاهية المواطن السعودية، وستخفض من تبعية الاقتصاد للنفط. وأشارت الصحيفة أن 8 خطوات تم البدء بتنفيذ بعضها نحو خطة الإصلاح، المكونة من تأسيس مجلس الاقتصاد والتنمية، ونقل مهام التخطيط الاقتصادي من وزارة المالية إلى وزارة التخطيط والتنمية، وفصل صناديق الاستثمار الحكومية من وزارة المالية إلى الوزارات المعنية بها، وإنشاء مركز وطني لإدارة المشروعات برئاسة وزير الاقتصاد والتخطيط. ومن بين الخطوات الأخرى، تعيين وزير إسكان جديد، وفرض رسوم على الأراضي، وإقرار هيكل جديد للميزانية العامة خلال 2016، وتنويع الاستثمارات الحكومية، والإعلان عن الصندوق السيادي، وتغيير سياسة الدعم الحكومي. وينظر إلى العاهل السعودي الراحل الملك عبدالله على أنه صاحب توجه إصلاحي منذ توليه عرش البلاد في 2005 إذ أسس هيئة للاستثمارات وأطلق برنامجاً للابتعاث مكّن آلاف السعوديين من الدراسة بالخارج، ومنح المرأة الحق في التصويت بالانتخابات البلدية للمرة الأولى. لكن مع ذلك ظلت المملكة تعتمد بشكل كثيف على النفط كمصدر رئيسي للإيرادات، وأحدث هبوط أسعار الخام ضغوطاً كبيرة على المالية العامة دفعت المملكة لتسجيل عجز يقارب 100 مليار دولار في 2015. ولم تكن هناك معالجة جذرية لمشاكل مثل نقص المساكن وتوفير نظام أفضل للرعاية الصحية. وقد تكون الرؤية الإصلاحية الجديدة أكثر فعالية؛ إذ ينظر للأمير محمد على أنه إصلاحي نشط، وهو يترأس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية الذي يتولى الإشراف على الوزارات والجهات الحكومية المختصة بالاقتصاد. وفي ظل النطاق الواسع لسلطاته وسرعة اتخاذ القرارات الاقتصادية أصبح الكثير من السعوديين مقتنعين أن بإمكانه القضاء على البيروقراطية التي طالما أعاقت تنفيذ الكثير من العمليات الحكومية. يقول الأمير منصور آل سعود، كبير مديري التخطيط لدى صندوق التنمية الصناعية السعودي: "ستكون أول استفادة (من الإصلاحات) هي تعزيز الكفاءة والتعاون بين الجهات الحكومية.. الجميع سيشعر بالتحسن في كافة أوجه العمل الحكومي وفي خدمات التعليم والصحة".