ريشة متلونة بحبرٍ، تتمايل راقصةً على الأوراق كي يبقى العالم على علمٍ بما حوله، من أوراق إذا فتحت صفحاتها فكأنما فتحت نافذتك على الكون، لتقرأ سطورًا بسيطة تحكي لك ما دار في العالم بالأمس، هكذا الصحافة والتي حتى اليوم ومهما طال العمر تبقى هي أساس قيام الأمم والعكس هي من تُسقط أممًا، ومصر اهتمت منذ أكثر من مائتي عام بالصحافة وحاربت بشتى الطرق لتحقيق أمل توثيق المهنة كأحد أهم ركائز بناء الوطن حتى تحقق حلم إنشاء نقابة الصحفيين عام 1941، ومنذ أن دقت الساعة في يوم 31 مارس من هذا التاريخ، هبت عدة زلازل على النقابة وبقيت هي صامدة حتى اليوم وبعد 75 عامًا على إنشائها وإذا حدث لها بعض التصدعات رممتها قوتها وصلابة الصدق في نقل الخبر. وخلال ال75 عامًا التي عاشتها النقابة، مرت بعدة محطات من الانتصار والمثابرة والصمود أمام عواقب أكثر من كونها وخيمة، ومع احتفالها باليوبيل الماسي اليوم، وذكرى إنشائها أمس، رصدت «المصريون» أبرز المحطات التي وقفت أمام سير قطار «الصحفيين» خلال السبعة عقود الماضية. زلازل ضرب «الصحفيين» واجهت نقابة الصحفيين منذ إنشائها عددًا كبيرًا من المشكلات والتي تقف حائلاً دون وجود حرية كاملة متكاملة للصحافة، وكانت أولى القضايا المعقدة التي واجهها مجلس النقابة، هي قضية الرقابة على الصحف، والتي اشتدت بسبب ظروف الحرب العالمية الثانية، وتعددت حالات حبس الصحفيين، كما أدت هذه الظروف إلى تقليل عدد صفحات الجريدة اليومية إلى أربع صفحات؛ والذي كان مُحضرًا لعفريت الاستغناء أو إقالة عدد كبير منهم، لكن مجلس النقابة صمد ولأول مرة يسمع صوت الصحافة تحت قبة البرلمان للمطالبة بتخفيف الرقابة على الصحف، ومعالجة أمر حبس الصحفيين، وعدم الاستغناء عن أي محرر مهما قل عدد صفحات الصحف. وواجهت النقابة بحزم حتى يصبح لدى الصحفيين ضمانات لممارسة مهنتهم في حرية، ورفض نقلهم إلى أعمال غير صحفية، إلى أن صدر القانون النقابي الحالي عام 1970، وتوج نضال الصحفيين بمنع نقل الصحفي إلى عمل غير صحفي، ووضع المجلس في السنة الثانية له أول لائحة استخدام، والتي تعرف باسم عقد العمل الصحفي، وكان في مقدمة موادها تقرير مكافأة تعادل راتب شهر عن كل سنة من سنين اشتغال الصحفي في حالة انتهاء مدة خدمته. وتصدت النقابة أيضًا في سنة 1951 لتعديلات قانونية تم طرحها على البرلمان بهدف وضع قيود على الصحافة والصحفيين على إثر هجمات وحملات صحفية على حكومة الوفد فتقدم «استفان باسيلى» عضو الهيئة الوفدية وعضو مجلس النواب بمشروع قانون لتغليظ عقوبات النشر في «قانون العقوبات ويحظر نشر أخبار السراى أو أحد أفراد الأسرة الملكية إلا بعد موافقة من الديوان الملكى نفاقًا للملك وحاشيته واستطاعت الصحافة أن تنتفض لحريتها ومن داخل مجلس النواب نفسه وقف النائب عزيز فهمى صارخا كيف تكون حكومة الوفد التي تنادى بالحريات معولا لهدم الحريات»، ولكن بعد ضغط الرأي العام والمقالات وكل الأصوات الصحفية التي رفضت القانون بشدة عدل «باسيلي» عن القانون ولم يصدر. وحتى اليوم تواجه نقابة الصحفيين الكثير من القمع على الحريات والتي على إثرها يوجد عدد كبير من الصحفيين في السجون، والتهمة كونه صحفيًا، وازداد الأمر خصيصًا بعد ثورة 25 يناير، وحاربت نقابة الصحفيين خلال الفترة الماضية محاولات أخرى لتكميم الأفواه، وظهرت عدة حملات «لا لتكميم الأفواه»، وذلك بسبب قانون مكافحة الإرهاب، إلا أن غياهب السجون امتلأت بريش الصحافة. تاريخ المبنى الصامد خُلد اسم «محمود أبو الفتوح» وارتبط ارتباطًا وثيقًا بالنقابة، حيث تقدم بطلب لوزارة محمود فهمي النقراشي باشا، ليكن هو أول من نادى بإنشاء النقابة وحتى ديسمبر من عام 1941، ولم يكن للنقابة مقر رغم أن موافقة الحكومة على إنشائها اقترنت بشرط توفير مقر لها، ما دفع «أبو الفتوح» بالتنازل عن شقته بعمارة «الإيموبيليا» لتصبح أول مقر للنقابة، حتى أقامت النقابة أول اجتماع جمعية عمومية عادية للصحفيين عام 1942، وجد مجلس النقابة أن الصحفيين في أشد الحاجة إلى مكان أكثر اتساعًا لعقد جمعيتهم وتقرر عقدها في قاعة نقابة المحامين الكبرى، وأثناء عقد الاجتماع استرعى انتباه مجلس النقابة وجود قطعة أرض فضاء مجاوره لنقابة المحامين عليها بضع خيام. وفي اليوم التالي توجه محمود أبو الفتوح - نقيب الصحفيين- إلى جهات الاختصاص في الدولة وطلب هذه الأرض ليقام عليها مبنى النقابة، لكنه علم أنها مملوكة للقوات المسلحة البريطانية وقد أنشأت عليها خياما يقيم فيها الناقهون من جرحى الحرب العالمية الثانية، وعرض على أبو الفتوح قطعة أرض أخرى يشغلها سوق الخضر والفاكهة بالقرب من هذا المكان بشارع رمسيس (تشغلها حاليا نقابتا المهندسين والتجاريين) بشرط أن تتولى نقابة الصحفيين إزالة آثار السوق على نفقتها الخاصة، لكن مجلس النقابة رفض وخلال هذه الفترة سعت النقابة لإيجار مقر آخر، وفي العام ( 1944) كان فؤاد سراج الدين -وزير الداخلية- أمر بالاستيلاء على مبنى من طابق واحد بشارع قصر النيل (رقم 33 أمام عمارة الإيموبيليا والبنك الأهلي) ومصادرته لصالح نقابة الصحفيين فورًا بعد أن كان ناديًا فخمًا للعب القمار. وظل هذا المبنى مقرًا للنقابة وناديا لها تم دعمه بمكتبه قيمة تحتوي على أربعة آلاف كتاب والعديد من الدوريات الصحفية وأصبح يتوافد عليه الزائرون من كبار رجال الدولة والأدباء والفنانين، ورغم أن رفعه مصطفى النحاس باشا -رئيس الوزراء- قد أمر بتخصيص قطعة الأرض المجاورة لنقابة المحامين ليقيم عليها الصحفيون. نصاب «الجمعية العمومية» ومع زيادة عمر النقابة كلما زاد عدد الصحفيين وقل عدد حاضري الجمعيات العمومية للنقابة، حيث انعقدت أول جمعية عمومية للصحفيين في ديسمبر 1941، بمحكمة مصر في منطقة باب الخلق؛ لاختيار أول مجلس منتخب، وكان عدد الأعضاء الذين حضروا الاجتماع الأول 110 من 120 عضوًا، هم كل أعضاء النقابة في السنة الأولى وظل حماس الصحفيين حتى فترة قريبة عانت النقابة من كلمة «لم يكتمل النصاب» رغم العدد المرتفع للصحفيين. «نقباء» تولى قيادة النقابة 20 نقيبًا خلال ال75 عامًا وكان أول نقيب هو محمود أبو الفتوح والذي أفنى عمره وماله في سبيل إنشاء كيان للصحفيين، ومن بينهم يوسف السباعي، وحافظ محمود، وإبراهيم نافع، ومكرم محمد أحمد، وضياء رشوان وأخيرًا النقيب الحالي يحيى قلاش.