قالت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية، إن الانسحاب الروسي المفاجئ من سوريا، جاء نتيجة للعلاقات المضطربة بين الكرملين ونظام بشار الأسد. وأضافت المجلة في مقال لها في 19 مارس، أن موسكو غاضبة بسبب عدم إبداء الأسد المرونة الكافية في التفاوض مع المعارضة بشأن المستقبل السياسي لسوريا، وترى أن على النظام السوري استثمار المكاسب العسكرية الأخيرة في محادثات السلام الجارية في جنيف. وتابعت أن روسيا تأمل من خلال انسحابها في ترجمة إنجازاتها العسكرية على الأرض إلى نصر دبلوماسي. واستطردت المجلة: "اختبار قدرة بوتين في لعب دور صانع سلام في سوريا سيكون عبر طريقتين خلال المفاوضات، أولهما، التوصل إلى تسوية مع الولاياتالمتحدة، والثانية، إقناع حلفائه في دمشق وطهران بالتخلي عن مواقفهما المتطرفة إزاء الحل السياسي للصراع". وكان الكرملين أعلن في 14 مارس بشكل مفاجئ أن الرئيس فلاديمير بوتين أمر وزير الدفاع بسحب القوات الروسية الرئيسة من سوريا، وتخفيض عدد القوات الجوية ابتداء من 15 مارس. وقال موقع "ديبكا" القريب من الاستخبارات الإسرائيلية، في تقرير له في 15 مارس ، إن هناك خلافات حادة نشبت مؤخرا بين موسكو وطهران حول مستقبل الحرب في سوريا من جهة، وخلافات لا تقل في حدتها بين بوتين وبشار الأسد بشأن المستقبل السياسي للأخير، من الجهة الأخرى. وبدورها، قالت إذاعة "مونت كارلو" الدولية، إن هناك عددا من الأسباب تقف على الأرجح وراء القرار الروسي المفاجئ، أولها أن بوتين حدد منذ بداية التدخل العسكري الروسي في سوريا مدة العمليات بأربعة أشهر، ولم يبق العملية مفتوحة الآجال. والسبب الأخر، هو تزامن القرار الروسي مع بدء مفاوضات جنيف، مشيرة إلى أن روسيا عملت بجهد لعقد هذه المفاوضات وتعرف أن استمرار العمليات العسكرية قد يعطل هذه المفاوضات. وتابعت الإذاعة: "السبب الثالث، أن بوتين يرى أن تدخله أدى الغرض العسكري منه، حيث منع سقوط نظام بشار الأسد عسكريا على الأقل، وساعد هذا النظام على استعادة زمام المبادرة ووقف تقدم معارضيه المسلحين، مما سمح للوفد الحكومي بالتوجه إلى جنيف والجلوس إلى طاولة التفاوض من موقع قوي. واستطردت " السبب الرابع أن التدخل العسكري أصبح مكلفا للاقتصاد الروسي الذي لا يزال يعاني أزمة كبيرة منذ العام 2009، في وقت وصل فيه سعر برميل النفط إلى أدني مستويات له، مما أثر سلبيا على الخزينة الروسية'، وفي حال استمرت الحرب طويلا، قد تزيد من الأعباء على الاقتصاد الروسي، بل وقد تترك أيضًا تداعيات سياسية، في غير صالح بوتين، مع تقلب مزاج الرأي العام الروسي". كما نقلت "الجزيرة" عن المحلل الروسي غيورغي بوفت، قوله إن موسكو منذ البداية لم تكن تسعى إلى إنقاذ نظام بشار الأسد بأي ثمن، بل هدفها الرئيس كان الخروج من العزلة الدولية، وهذا ما تمكنت من تحقيقه". وأضاف أن روسيا استعادت من خلال هذه الحرب موقعها كقطب دولي كبير، وكسرت أحادية القطب الأمريكي، الذي تفرد بإدارة العالم منذ انهيار الاتحاد السوفيتي. وتابع بوفت "روسيا حققت أقصى ما يمكن التوصل إليه، دون القيام بعملية برية، فيما يتعلق بمكافحة تنظيم الدولة، متفادية أن تتحول سوريا إلى أفغانستان جديدة"، وذلك في إشارة إلى أن الكرملين أراد تفادي تكرار تجربة الاتحاد السوفيتي سابقا في أفغانستان، حين خاض الجيش الأحمر هناك حربا استمرت عشر سنوات بين 1979 و1989، وانتهت بهزيمة كبيرة للسوفييت.