تنوي الولاياتالمتحدة إقامة مركز مختص تابع للخارجية مهمته التصدي للترويج الإعلامي الدعائي من طرف روسياوالصين. وستشارك في عمل هذا المركز التحليلي، وزارة الدفاع والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، ومجلس مدراء شؤون البث في الولاياتالمتحدة (BBG, Broadcasting Board of Governors) والمؤسسات الاستخباراتية وغيرها من المؤسسات والمنظمات ذات العلاقة. ولكن يبدو جليا أن النجاح لن يحالف المشروع، وفي التجربة السلبية للاتحاد الأوروبي في هذا المجال، خير دليل على ذلك. ومن المعروف أن الجمهوري روب بورتمان والديمقراطي كريس ميرفي كانا قد قدما إلى مجلس النواب في الكونجرس الأمريكي مشروع قانون مهمته تنسيق "الدفاع عن أمريكا وحلفائها من الدعاية والتضليل من جانب روسياوالصين وغيرهما". وتقترح المبادرة، صياغة استراتيجية حكومية موحدة للولايات المتحدة في مجال المعلومات والدعاية يكون للمركز المذكور أعلاه الدور الكبير فيها. ويدعو بورتمان إلى التركز على برنامج التبادل المدني مع الدول الأخرى ويعتبره أحد أكثر الأدوات فعالية للنفوذ الأمريكي. ولكن اللافت للنظر أن هذا البرنامج يعمل في اتجاه واحد وكلمة " تبادل" رمزية جدا لأنه وفي العادة يقتصر التبادل على زيارات الصحفيين والموظفين ورجال المجتمع من الجانب الآخر للولايات المتحدة في حين العكس غير صحيح. ومن نافل القول أن كلام بورتمان وزميله يعج بالكذب والدجل وخاصة فيما يتعلق بالكلام، الذي فند عدة مرات، حول المبالغ المخصصة لقناة RT. ومن بين ما قاله بورتمان:" تنفق الصين مليارات الدولارات على دعايتها السياسية الخارجية كل عام وتنفق القناة الحكومية الروسية RT حوالي 400 مليون دولار في العام فقط على مكتبها في واشنطن". وهذه ليست المرة الأولى التي يكذب فيها مسؤولون أمريكيون حول هذا الموضوع، قبل فترة دحضت مارغاريتا سيمونيان، رئيسة تحرير RT، تصريحا مماثلا للوزير جون كيري وقالت إن هذه المعلومات غير دقيقة لأن " ميزانية القناة الروسية حوالي 225 مليون دولار في العام" وهي تبث برامجها إلى حوالي مئة دولة. للمقارنة ميزانية، القناة الألمانية (DW) -294 مليون يورو و BBC World حوالي 400 مليون دولار (بدون قناة BBC World News). هذا بالإضافة إلى أن قناة RT مؤسسة غير حكومية وتغطي نفقاتها بنفسها. ويرى المحلل والخبير السياسي أليكسي مارتينوف أن تكرار الدعوة إلى تقييد "الدعاية الروسية" في الولاياتالمتحدة يؤكد أن السلطات الأمريكية تخشى فعلا تأثير هذه القنوات ولكنها لا تستطيع منعها بشكل مباشر ومكشوف لأن ذلك يتعارض مع القانون الأمريكي. واستبعد الخبير أن يتمكن المركز الأمريكي من إقناع الجمهور بعدم صحة المعلومات التي تقدمها وسائل الإعلام الأجنبية. وقد حاول الاتحاد الأوروبي تنفيذ مهمة مشابهة للمركز الأمريكي، عندما أسس موقعه الإلكتروني " لمواجهة الدعاية والمعلومات المضللة " ولكنه تحول مع الوقت إلى بوق لمديح السيدة فيديريكا موغيريني. لا شك في أن الدعاية الأجنبية يمكن أن تشكل تهديدا خطيرا فقط في حال كانت وسائل الإعلام المحلية لا تكشف الحقيقة كاملة، وتتجاوز القضايا الاجتماعية الهامة أو تقوم بالكذب بشكل صريح ومفضوح. لذلك، فإن وصفة مكافحة "الدعاية المعادية" في أي بلد تبدو في غاية البساطة: لا تكذبوا على المواطنين ولا تخفوا عنهم المعلومات الهامة ودائما يجب تقديم وجهات نظر كل أطراف النزاع.