يحمل التاريخ الكثير من الأحداث التي تجعلنا دائمًا نقف عندها كثيرًا سواء أننا غير مصدقين لمثل هذه الوقائع أو الأحداث ولكنها في الغالب هي الحقيقة ومن ضمن هذه الوقائع والأحداث هي الحقبة الأندلسية والتي كان يحكم فيها الإسلام بلاد الأندلس لفترة كبيرة . وبدورها قالت لنا الباحثة الأردنية "نور عبده " عضو فريق رؤية وصفحة المسلمون في الأندلس. نعم هذا ما كان يحدث في الأندلس لمن أخفى إسلامه، فتعذيب محاكم التفتيش لم يقتصر على الأحفاد فقط ، فقد أجاز قانونها محاكمة الأموات أيضاً، وتُوقع عليهم العقوبات وكأنهم أحياء، إذ تُصادر أموالهم وتُعمل لهم تماثيل تنفذ فيها عقوبة الحرق أو تنبش قبورهم لاستخراج رفاتهم وحرقها. ومحاكم التفتيش لمن لا يعرفُها هي: محاكم إسبانية قامت على الشرعية التى منحها البابا "سيكستوس" الرابع بعد أربع سنوات من اعتلاء إزبيلا عرش قشتالة وتوابعها وقد أنشئت أول محكمة تفتيش في غرناطة سنة 1526، وأعطي الموريسكيون مهلة مدتها ثلاث سنوات عليهم أن يتقدموا خلالها إلى المحكمة للاعتراف بخطاياهم، وبعد مرور السنوات الثلاثة بدأت هيئة المحكمة بمطاردة الموريسكين في غرناطة وتعذيبهم، بينما بدأت مطاردتهم في بلنسية منذ بدأت سنة 1526م . وأضافت إن ما حدث للموريسكيين لا يمكن للعقل البشري أن يتصوره من وحشية حقودة. وقد عُرف الموريسكيون أيضا باسم "النصارى الجدد " تميزاً بينهم عن النصارى الآخرين أو القدامى، والمريسكيون جمع موريسكي وهو تصغير للفظ (Moro ) الذي يُقصد به التحقير والإساءة،وتترجم كلمة موريسكي إلى العربية بمعنى "المسلم المنبوذ " وقد تم تعريف الموريسكيون بأنهم الذين لا يشربون النبيذ ولا يعملون شيئاً من الأمور التى يعملها النصارى. وأكدت انه لم يكتف فرديناند وزوجته ازبيلا في الاستيلاء على الأندلس بل قاما بحملة اضطهاد لم يشهد لها التاريخ مثيلاً، وقد استخدموا كل ألوان التعذيب كي يُخرجوا المسلمين عن دينهم دون أي اكتراث لمعاهدة تسليم غرناطة والتي كانت بين "أبي عبد الله الصغير وفرديناند وزوجته ازبيلا " عند تسليم غرناطة آخر معاقل المسلمين في الأندلس،وقد نصت المعاهدة على سبعةً وستين (67) شرطاً، أمنوا فيها المسلمين على دينهم وأموالهم وأملاكهم ومساجدهم وأعراضهم وفك أسراهم،والسماح لمن يريد الهجرة بأن يهاجر، بالإضافة لإعفائهم من الضرائب سنين معلومة، وغير ذلك من الشروط التى لم ينفذ منها شرط واحد بعد تسليم غرناطة، وقد آتوا ما آتوا من تعذيب المسلمين باسم المسيح "وهو منهم برىء" . ووضحت أنه أما عن الخطايا التي كان يُقدم عليها الموريسكيون بسبب ارتكابها للمحكمة. فقد حددتها لجنة انعقدت بقرار ملكي في غرناطة، وهي إذا عاد الموريسكي أو العربي المُنصر إلى دين محمد صلى الله عليه وسلم أو امتدح دين محمد صلى الله عليه وسلم أو قال إن المسيح ليس إلهاً وليس إلا رسولاً أو يباشر العادات الإسلامية أو أن يأكل اللحم في يوم الجمعة وهو يعتقد بأن ذلك مباح، وأن يرتدي ثيابا أنظف من ثيابه العادية يوم الجمعة أو أن يستقبل المشرق قائلاً بسم الله أو أن يختن أولاده أو تسميتهم بأسماء عربية أو التحدث بالعربية أو يغني أو ينشد الأغاني العربية أو أن تستعمل النساء الحناء على أيديهن أو شعورهن، بالإضافة إلى فرض حضور قابلة قشتالية نصرانية عند ولادة أطفال أندلسين،بالإضافة لحظر الزواج من أكثر من امرأة، كل هذا وأكثر كان يعاقب عليها الموريسكي ويقدم لمحاكم التفتيش ويعذب عليها أيما عذاب، بالإضافة إلى المرسوم الذي أصدره فيليب الثالث سنة 1570 يخول الجنود قتل الأندلسيين وسبي نسائهم وكان لمن يجلب رأس أندلسي مكافأة مالية،وقد نظمت حملات صيد الرؤوس في جبال ممكلة غرناطة، وكثر القتل والتعذيب الشديد وتدفق المرتزقة الأوربيون على المملكة فاعتقلوا النساء والأطفال والرجال وباعوهم عبيدا . وكانت محاكم التفتيش تطارد كل موريسكي وتلفق له أي تهمه تخضعه لتعذيب وكان أكثر الموريسكيون استهدافاً هم الفقهاء؛ لأنهم كما يرى أحد رهبان بلنسية في خطاب وجهه إلى فيليب الثالث سنة 1606 قائلاً : " هم الذين يدعمون كل الملة الإسلامية" إن إجراءات وعقوبات محاكم التفتيش لا يمكن للعقل مهما وسع خياله أن يتسعها، فالمتهم في محاكم التفتيش مدان حتى وإن ثبتت براءته ثم يسلم للجلادين ليذوق العذاب وإن مات فهو وقوداً لزيادة اشتعال النار الملتهبة . لقد هدفت محاكم التفتيش إلى نقاء الكاثوليكية من خلال المسلمين وغيرهم، وقد ظلت هذهِ المحاكم قوية وتمارس دورها حتى عام 1808 م ، ففي ذلك العام قام نابليون بونابرت بخلع ملك إسبانيا فرناندو السابع، ووضع نابليون مكانه أخاه جوزيف بونابرت الذي قرر إلغاء محاكم التفتيش . وهكذا فعل النصارى بالمسلمين في الأندلس، على الرغم من أن المسلمين وهم طوال عهودهم في الأندلس لم يجبروهم على الإسلام ولم يهدموا لهم بيتا أو كنيسة أو بيعة، ولم يُحولوا كنائسهم لمساجد إلا إذا كانت الكنسية مهجورة، ولم يعذبوهم أو يقهروهم أو يمنعوهم من طقوسهم الدينية أبدا . إن ما جرى للمسلمين في الأندلس من قبل النصارى، إن دل فإنما يدل على حقدهم وكراهيتهم للمسلمين ومع كل ما فعلوا لم يتمكنوا من إطفاء جذوة الإسلام في الأندلس، ولن يتمكنوا بإذن الله تعالى وبهمة شباب اليوم سنعيد روح الأندلس للأندلس بالدعوة إلى الله .
تقول لي الأشواق هذه ديارهم * قلت نعم لكنها منهم قفرُ وما كنت أهوى الدار إلا لأهلها * وبعدهم لا جاد ساكنها القصرُ