في تصعيد نزاعهم مع الولاياتالمتحدة حول إضعاف المقاومة العراقية ووضع حد للفلتان الأمني الذي أصبح خارج سيطرة الاحتلال، وكذا المساعي الأمريكية لكسب الشخصيات السياسية السنة، قد يوجه زعماء أحزاب الشيعة ضربة موجعة للإستراتيجية الأمريكية، حيث يحاول السفير الأمريكي في العراق "زالماي خليل زاد" إقناع سنة العراق بأن المشاركة في السلطة السياسية سيحمي مصالحهم، لكن الحزب الشيعي الحاكم أبدى تذمره بشكل حاسم من هذه الإستراتيجية، متهما كلا من القادة السياسيين السنة والولاياتالمتحدة كما لو أنهم يعتذرون ل"الإرهابيين". وقد رد عبد العزيز الحكيم على التفجير الانتحاري في كربلاء في 5 يناير الماضي، والذي أودى بحوالي 60 وجرح 12o شيعيا، بتصريح ناري جاء فيه: "نحمل المسؤولية قوات التحالف والعناصر السياسية الذي أعلنت دعمها بشكل مفتوح للإرهاب". ورغم أن زعماء السنة أدانوا مثل هذه الأعمال علنا، بما في ذلك قصف كربلاء، وانتقدوا بشدة العمليات المنسوبة إلى جماعة الزرقاوي، وتوسيع نطاق الاستهداف ليشمل الشيعة، والحكيم يدرك قبل غيره أن أبرز تيارات السنة، هيئة العلماء والحزب الإسلامي العراقي دخلوا في مواجهة فكرية وحرب بيانات مع الزرقاوي إنكارا على صنيعه، بل حتى مجموعات مقاومة إسلامية ووطنية رفضت مسلك تشويه واختطاف وتحريف مسار المقاومة من إدانتها لبعض العمليات المشبوهة التي تتولى كبرها مجموعة الزرقاوي. هذا في الوقت الذي لم يصدر فيه أي إدانة أو مطالبة بفتح التحقيق في جرائم وزير الداخلية العراقي صولاغ، لا من آل الحكيم ولا من السيستاني ولا حتى من الصدر. ومع ذلك، فإن زعيم المجلس الأعلى للثورة الإسلامية ذهب بعيدا في منطق الابتزاز السياسي، حيث قرر بأن حزبه سيوقف العرض الحالي القاضي بمشاركة لأطراف السنية التي فازت بمقاعد في البرلمان الشهر الماضي للمشاركة في الحكومة. ورغم أن الحكيم لم يشر إلى الولاياتالمتحدة، فإنه وخز واشنطن وألمح إلى محاولاتها لتسويق دور سني بارز في الحكومة القادمة، لإضعاف السيطرة الشيعية على القوات الشبه عسكرية التي تستخدم لمحاربة عناصر المقاومة. ويبدو أن بيان الحكيم جزء من خطة شيعية لمعاكسة الإستراتيجية السنية الأمريكية، كما يراها هو. وقد هتف حوالي 5000 من أتباع مقتدى الصدر في مدينة الصدر بضرب الزعيم السياسي السني صالح المطلق بالنعال. وحسب أحد أبرز وجوه منظمة بدر، فإن الحكومة الشيعية نبهت الولاياتالمتحدة إلى خطورة منح غطاء للإرهاب. كما لا تستهدف الإستراتيجية الشيعية الجديدة ضرب مساعي إشراك السنة في الحكومة فقط، ولكن أيضا الرد على طلب السفير الأمريكي في العراق الشهر الماضي أن يرفع المجلس الأعلى للثورة الإسلامية ومنظمة بدر سيطرتهما على وزارة الداخلية، التي كانت مسئولة عن العمليات العسكرية وفرق الموت والتعذيب المنظم ضد المحجوزين السنة. وحتى إلى قصف كربلاء، لم يرد المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق علنا على الضغط الأمريكي، لكنه من الواضح كان ينتظر الفرصة السانحة لإدانة الإستراتيجية الأمريكية التي يرون فيها أن "تفضل أعداءهم". ورغم أن الهجوم المضاد الشيعي قد يراد به تعزيز الموقف في المساومة على تشكيل الحكومة الجديدة، فإنه يعكس أيضا توجهات طائفية حول طبيعة النزاع مع السنة، حيث يتعمد الزعماء الشيعة البارزون، أو أكثرهم، إلصاق صفة "الإرهابيين" على كل جماعات المقاومة السنية في العراق. ويبدو أيضا أن زعماء المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق يتحركون تحت الضغط المتزايد من مؤيديهم لاتخاذ إجراءات أقسى وأعنف ضد السنة ردا على القصف الأخير الذي استهدفهم. كما أنهم يستمدون تصميمهم لحشر السنة في زاوية ضيقة من دعم المراجع والأتباع، لإفشال إستراتيجية التعاون الأمريكي السني على حد زعمهم. وقد شهد المسعى الأمريكي لإبعاد سنة العراق عن خيار المقاومة ودفعهم نحو العملية السياسية والمشاركة في الحكومة، مرحلة الذروة عندما عُين خليل زاد سفيرا للولايات المتحدة في العراق في أواخر يوليو الماضي. خاصة وأن مسودة الدستور التي ظهرت في الصيف الماضي، كانت بمثابة نكسة للإستراتيجية السنية، وعكست قوة تصميم الحكومة الشيعية لتهميش السنة سياسيا واقتصاديا. ولعل هذا يفسر أحد جوانب رهان واشنطن على أحد أحصنتها في العراق، إياد علاوي، لأنه كما وصفه خليل زاد نفسه: "يتزعم حزبا سياسيا علمانيا غير طائفي". هذا، وقد شكلت انتخابات ديسمبر الماضي ضربة أخرى للإستراتيجية والأمريكية السنية، حيث إنها أعادت تأكيد قوة الأطراف الطائفية والضعف الكبير للأطراف العلمانية. المصدر : العصر