عم سعيد رجل فى العقد السادس من عمره أمضى حياته سائقًا على سيارة أجرة "تاكسى" يعتمد على الدخل اليومى شأن كثير من عامة الشعب المصرى لم يتمكن من تحويش مبلغ مالى للزمن لأنه إللى جاى على قد إللى رايح فاته قطار الشباب فامضى بمحطة المسنين، وفى رقبته أسرة كبيرة العدد وقد تحطمت السيارة التى يعمل عليها وليس لديه أى مصدر من مصادر الرزق صال وجال وهو يتردد على مكتب وزير المالية الأسبق، يوسف بطرس غالى، لم يستجب لبكائه ولم يرحم توسلات رجل مسن، وكان كل طموحه أن يحصل على مقدم سيارة أجرة ضمن سيارات الإحلال والتجديد التى كانت تقدمها وزارة المالية. لكن كعادة النظام القديم لم يكن يعير الغلابة اهتمامًا فصم أذنيه وكيف له أن يسمع النداء وقد ختم الله على سمعه وبصره فلم يعرف غير البيزنس والسرقة ومص الدماء وتحويل الأرصدة إلى البنوك الخارجية فانتفخت أرصدتهم وظل عم سعيد الذى بح صوته يتردد على الصحف لينشر مأساته وهو يبحث عن شعاع من الأمل بعد الثورة وقد وصل به الحال إلى أن يعجز عن سداد مصروفات الدراسة لابنته الطالبة الجامعية ويهدد بالانتحار ليترك من خلفه أسرة معرضة للانهيار. مأساة عم سعيد ليست إلا نموذجا لملايين المعذبين فى الأرض والبؤساء الذين دفعوا فاتورة الأنظمة المستبدة وحدهم ودون غيرهم، وكأن قدرهم أن يكونوا فى مؤخرة الشعوب ويقضون حياتهم يلهثون وراء لقمة عيش تسد رمق جوعهم، وفى النهاية يقف الأستاذ فريد الديب فى قاعة المحكمة يتغنى بأمجاد الرئيس السابق، وكيف كان وطنيًا طاهر اليد عفيف اللسان فهل يعرف الديب مأساة عم سعيد وأمثاله؟! وإن كنت أشك أن يكون المحامى الكبير يعرف هذه الطبقة الكادحة وكل موكليه من أصحاب النفوذ والملايين. الغريب أن كل القضايا التى يتولاها الديب تستفز مشاعر الشعب المصرى فمنذ سنوات ليست ببعيدة ترافع عن الجاسوس الإسرائيلى عزام عزام فى وقت رفض فيه كل المحامين القضية وأتعابها التى بلغت المليونى جنيه ليس إلا لأنهم وطنيون. صحيح أن المحامى من حقه أن يقبل أو يرفض القضايا المعروضة عليه أيا كانت، لكن ليس من حقه أن يترافع بشكل يستفز المشاعر فمبارك لم يكن قديسًا وإذا افترضنا أن الديب سوف يحصل على البراءة فى بعض القضايا - وإن كنت أشك فى ذلك - لكنه لن يتمكن من البراءة من تجويع الناس وإهدار كرامتهم وإذلالهم وإفساد حياتهم السياسية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها سيظل عم سعيد وأمثاله دينًا فى رقاب كل مَن نهبوا وسرقوا. ليت الديب يراعى مشاعر الأمهات اللاتى فقدن أبناءهن فى الثورة أو قبلها وليتذكر أنه لو لم تنجح الثورة لأباد مبارك كل هؤلاء الثوار إبادة جماعية، لكنه القدر الذى كان بالمرصاد لهؤلاء الظالمين وطوبى للشهداء.