هل باتت "إسرائيل" بالفعل على مرمى حجر كما يقولون من نيران القاعدة، خاصة بعد إطلاق مجموعة صواريخ الكاتيوشا من جنوب لبنان باتجاه "شمال إسرائيل"، ومن قبلها الصواريخ التي أطلقت من العقبة باتجاه ايلات؟ المتتبع لمسيرة ابن لادن وتنظيم القاعدة يلحظ بوضوح غياب الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية تماما، على الأقل في البدايات، من أدبيات القاعدة وخطابها. ولعل ذلك مرده إلى وجود مشروع جهادي حقيقي قائم على الأرض في أفغانستان ضد السوفييت ومن ثم ضد الأمريكان. ولربما لم يعرف منذ ذلك الوقت عن تنظيم القاعدة استهدافها لأي من المصالح الإسرائيلية في يوم من الأيام، على الرغم من أن هذه المصالح منتشرة في جميع أنحاء العالم بما فيها العالم العربي والوصول إليها ليس أصعب من الوصول إلى المصالح الأمريكية. يلتفت البعض في تحليله لهذه المسألة لعدة أمور من بينها خطابات بن لادن ومساعده الظواهري وحتى ابو مصعب الزرقاوي، التي لا يتم فيها التطرق إلى المسالة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي إلا نادرا. تحتج القاعدة في كثير من أدبياتها وخطاباتها في المقابل بأنها من خلال مهاجمتها للمصالح الأمريكية، إنما تخدم القضية الفلسطينية على اعتبار أن «إسرائيل" هي واحدة من أهم حلفاء الولاياتالمتحدة، وأنه لا يوجد فرق بين أمريكا والصهيونية. ولقد ذهبت القاعدة إلى حد انتقاد حركتي "حماس" و"الجهاد الإسلامي" لالتقائهما مع تيارات نضالية ومقاومة أخرى ذات مرجعيات علمانية من قبيل فتح والجبهة الشعبية. حاولت القاعدة مرارا الالتفاف حول القضية الأصل "القضية الفلسطينية" للقول بأن الجهاد المقدس لا يعني بالضرورة مجاهدة اليهود بقدر ما يعني مجاهدة "الحكام والطواغيت" ومن قبلهم الولاياتالمتحدة. ومن خلال تتبع بسيط لمضمون خطابات القاعدة يتضح دائما محاولة ترسيخ الفكرة السابقة من قبيل مهاجمة المبادرة السعودية "للسلام" التي تبنتها قمة بيروت العربية. وفي أكثر من مرة، تحدثت القاعدة عن شرعية الهجمات في واشنطن ونيويورك، باعتبار أن الولاياتالمتحدة و"إسرائيل" تشكلان كيانا واحدا. ولهذا، فإن العمليات "الفدائية" ضد الولاياتالمتحدة، بما فيها قتل المدنيين، هي أمر مشروع كشرعية قتل الإسرائيليين واليهود. ولعل الربط بين أمن الأمريكيين وأمن الفلسطينيين في هذه الخطابات والأدبيات دليل على ما نود قوله. وفي بيان آخر للقاعدة توضح أن: هموم "القاعدة" هي قضايا العالم الإسلامي في أفغانستان والصومال والبوسنة والشيشان... وان الدافع الرئيسي وراء العمليات هو الدفاع عن الأراضي الإسلامية المقدسة، بلاد الحرمين والأقصى المبارك، وقد كانت العمليات الأخيرة دعما للجهاد في فلسطين ضد العدو اليهودي. ويضيف البيان: "قلنا في حينها إن العملية ضد يو اس اس كول كانت أول هجمة جديدة لدعم الانتفاضة الفلسطينية، وإنه ستتبعها عمليات مشابهة. ثم جاءت عملية 11/9 لتؤكد هذا الإنذار. لقد كان الهجوم ضد مركز التجارة العالمي، أكبر مركز مالي يدعم اليهود، وضد البنتاغون، وهو المصدر الرئيسي لأجهزة الجيش اليهودي ...". ويتبين مما تقدم إذا أن قيادة "القاعدة" تعتبر حربها المعلنة في كل مكان من العالم بمثابة رد فعل على ما يقاسيه الفلسطينيون على أيدي الإسرائيليين وحلفائهم الأمريكان. وخلافا للفصائل الفلسطينية التي انتقدتهم، فإنهم لا يميزون بين الولاياتالمتحدة وإسرائيل، ولا بين اليهود والإسرائيليين، ولا بين العسكريين والمدنيين، معتبرين هؤلاء جميعا أهدافا للحرب. التطور الأكثر حداثة، هو هجمات عمان والعقبة التي اقتربت بمنظور بعض المحللين كثيرا من "إسرائيل"، فأصبحت على مرمى حجر من نيرانها. فيما يشير البعض إلى منهج إستراتيجي من جانب القاعدة في التصعيد يستهدف الوصول بالتفجيرات إلى أرض "العدو الإسرائيلي" أو أن الأمر برمته يدور في نفس فلك استهداف الولاياتالمتحدة.. على قاعدة أن الأردن حليف قوي ل"إسرائيل"، واستهدافه انما هو استهداف ل" اسرائيل" بالضرورة. المس بالإسرائيليين والاستهداف على الأرض بات هدفا واضحا لدى القاعدة، ربما عمل بعض قادتها على تداركه إرضاء للقاعدة الجماهيرية التي فقدتها بسبب أخطاء هنا وهناك من قبل الزرقاوي وغيره. وهذا يتضح جليا من خلال حديث الإسرائيليين عن تخوفهم من وجود تنظيم خفي أو خلايا نائمة للقاعدة لم يحن وقت ظهورها بعد، ولعل ظهور تنظيم القاعدة في لبنان للعلن لأول مرة قبل نحو شهر مؤشر في هذا الاتجاه. ما يحدث هنا، القاعدة تتدرج في مسالة استهداف اليهود والإسرائيليين من المحيط إلى المركز، أما المسالة الأكثر أهمية بنظري فهي ما يمكن تسميته بالتحول الإستراتيجي في التفكير الجهادي للقاعدة من مقارعة "الصليبيين" إلى مقارعة "اليهود" كرد فعل لا أكثر لما تعتبره القاعدة إخلاء ساحة من قبل حماس والجهاد، باعتبار أن الأخيرتين تتجهان عمليا ونظريا للتحول إلى العمل الحزبي والاندماج في الحياة السياسية الفلسطينية، بل تذهب القاعدة في هذا الشأن إلى ما هو أكثر من ذلك بالحكم مسبقا على الحركات الجهادية الفلسطينية والإسلاميين عموما بأنها تمثل رهانا للغرب، فيما يتعلق بحراك وطبيعة المرحلة المقبلة في المنطقة من الشراكة السياسية وتشكيل الحكومات وتحقيق الديمقراطيات. فهل تشهد الأيام المقبلة بالفعل استهدافا حقيقيا من قبل القاعدة ل"إسرائيل"؟ المصدر : العصر