قدم القاضي الجليل المستشار سري صيام استقالته من عضوية مجلس النواب، لم يكن يضغط، أو يناور، كان صادقا فيها، ومصرا عليها، فهو وكما كشفت الفترة القليلة التي برز فيها للرأي العام بعد تعيينه في البرلمان أثبت أنه من ذلك النوع الخاص من الرجال الذين يحترمون أنفسهم، ولا يغريهم مقعد في المجلس التشريعي، رغم أهمية المؤسسة التشريعية، فقد جلس ولسنوات طويلة على أكثر المقاعد قدسية وسموا في مصر، وفي أي بلد آخر، وهو مقعد القاضي العادل. المجلس وافق على الاستقالة مرغما، لأن المستشار صيام قطع صلته بذلك البرلمان، وأنهى علاقته به، وقرر عدم دخوله مرة أخرى، ولم يترك أي منفذ للرجعة في قراره، فهو برلمان لا يغري على التمسك بعضويته لمن هم مثل صيام، خصوصا في ظل الظروف التي تسيطر عليه، والتي كانت دافعا له بأن يغادره بشكل نهائي. الناس تتهافت على التعيين في المجلس التشريعي، عبده مشتاق في كل ركن في مصر يريد العضوية والحصانة وما بينهما، عضوية سهلة، بلا تكلفة ولا مجهود، لكن المستشار صيام أكد شيئا جديدا، وهو أنه لا يريد أن يكون عضوا لمجرد العضوية، لا يعنيه الكارنيه ولا الحصانة ولا العضوية من بابها رغم تقديره لثقة من رشحه ومن اختاره، لايريد أن يكون خاملا، إنما عضوا فعالا نشطا مجتهدا متحركا عاملا لخدمة الوطن والشعب الذي صار يمثله كله، مقدما صورة تليق بمؤسسة تشريعية لم تفرز انتخابيا ما كان يجب أن يكون عليه البرلمان. وجد المستشار سري صيام تجاهلا غريبا وغير مفهوم وغير مبرر بالمرة، كيف توجد تلك القامة القانونية في برلمان هو ضعيف بالخبرات التشريعية ثم يكون مصيره التجاهل مع أول نشاط يقوم به المجلس، وهو وضع لائحته الداخلية، من هو أجدر من صيام حتى يتقدم عليه في قائمة واضعي اللائحة، من ذا الذي قرر عدم وضع اسمه في بداية القائمة، هل هناك تعمد تهميشه منذ البداية مقرونا ذلك بنوع من غيرة دفينة مثلا للتغطية على الرجل الذي برز في الجلسة الإجرائية التي سادها هرج ومرج كبير، فهو الوحيد الذي عندما وقف يتحدث أنصت له جميع الأعضاء، كما انتبه الجمهور المتابع عبر الشاشات إلى أن هناك عضوا غير عادي، متحدثا لبقا، لغته العربية صحية ورصينة، وليست لغة مرتبكة كالتي يتحدث بها من تم اختياره رئيسا للمجلس، علاوة على حديثه القانوني القوي المقنع الذي يضع النقاط على الحروف، ويحسم الجدل، وينهي الخلاف. كيف يمكن تجاهل شخص بهذا الحجم والوزن والتاريخ القانوني، مكانه كان يجب أن يكون رئاسة المجلس أو الوكالة، ولم يكن مقاعد الأعضاء، وإذا كنت أميل إلى أن يكون رئيس المجلس عضوا منتخبا فإن بعد الذي نراه من الرئيس الحالي، وهو العضو المنتخب، من عدم القدرة على بناء عبارة سليمة ارتجالا أو حتى قراءة من ورقة مكتوبة، فإننا نراجع أنفسنا في هذا الموقف، وهنا نتفهم سر اختيار أعضاء معينين في فترات سابقة لرئاسة البرلمان، مثل الدكتور رفعت المحجوب رحمه الله، وبعده الدكتور فتحي سرور قبل ترشيحه في دائرة السيدة. الانتخايات لا تفرز الأفضل دائما، بدليل تشكيلة الأعضاء الحاليين، فليسوا هم الأفضل على الإطلاق، ولو أجريت الانتخابات مرة أخرى في ظروف مختلفة فقد لا يفوز عدد معتبر منهم. نقرأ ما كتبته الأهرام ليتأكد صحة ما ذهبنا إليه من ناحية التهميش المبكر للمستشار صيام، فقد نشرت تصريحا جاء فيه، "إن هناك مناخا يهيئ لتقليص دوره فى الأداء البرلمانى وتمثل هذا بصورة واضحة جدا عندما تم تشكيل لجنة إعداد اللائحة الداخلية للمجلس التى ضمت 7 خبراء اختارتهم هيئة مكتب المجلس، وفوجئ بعدم اختياره ضمن الخبراء الذين يضعون اللائحة"، ثم تقول الجريدة على لسانه : "دارت التساؤلات بداخلى بشأن قيام رئيس الدولة بتعيينى فى المجلس للاستفادة من خبراتى فى الجانب التشريعى وليس الرقابى بحكم عملى فى القضاء لأكثر من نصف قرن، وبالتالى فأنا لم يتم اختيارى لتقديم استجوابات أو بيانات عاجلة أو طلبات إحاطة، ولكن عندما يتم إعداد اللائحة وهى أهم عمل للمجلس فى الفترة الحالية وأول مرة ستصدر بقانون ويتم استبعادى، فمتى تكون الاستفادة من خبراتى". هذه كلمات واضحة للمستشار الجليل المدرك لطبيعة دوره جيدا، والمعتد بذاته، وبعلمه وثقافته القانونية، وبخبرته، ولمّا لم يجد التقدير الكافي، بل الإغفال، فإنه غادر، ولم يتراجع، ليس لأنه كان يريد موقعا معينا مميزا في مجلس النواب كما ردد البعض، لكن لأنه فقط لا يريد التجاهل المريب. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.