نائب رئيس محكمة النقض المحال للتقاعد: جلسات «الصلاحية» باطلة وأحكامها «منعدمة» القانون يمنع قضاة «التأديب» من الاستمرار فى نظر الدعوى ضدنا تيار «الاستقلال" ليس إخوانيًا وعارضنا «مرسي» مثل «مبارك» محاكماتنا «سرية» وغير عادلة وحقوق الدفاع فيها مهدرة تمامًا أحكام «النقض» لا تدعو للخجل .. والاستغناء عن سماع الشهود يهدد مستقبل مصر لا نطمئن لعضوين في مجلس الصلاحية ونتساءل عن سبب إصرارهما على الفصل في الدعوى رغم الموانع القانونية وقرب تقاعدهما «جنينة» أصبح الرمز الوحيد لمكافحة الفساد .. ومحاولات الإطاحة به «بائسة» و«يائسة» منظمات دولية وإقليمية تتابع محاكمات قضاة مصر وربما ترسل قضاة دوليين لحضور المحاكمة وتقديم تقارير عنها
قال المستشار ناجى دربالة، نائب رئيس محكمة النقض المحال للتقاعد ووكيل نادى القضاة الأسبق، إن هناك موانع قانونية تواجه قضاة مجلس التأديب الأعلى الذى يمثل أمامه القضاة المحالون للجنة الصلاحية وتجعل الأحكام الصادرة عن الجلسات التى يشاركون فيها "منعدمة" وباطلة قانونيًا، مؤكدًا أن ثلاثة من قضاة مجلس التأديب لهم مواقف معلنة وثابتة ضد المدعى عليهم، وأنهم كذلك شاركوا فى عمل من أعمال الإحالة والتحقيق مما يقضي بعدم صلاحيتهم بنص القانون. وأوضح "دربالة" فى حوار صحفى مع "المصريون"، أن منظمات دولية وإقليمية تتابع محاكمات القضاة المحالين للتأديب والصلاحية، وأصدرت بيانات تؤكد أنها ليست عادلة وتفتقر لضمانات أساسية، وأنه لا يجوز أن يعوّل على الأحكام الصادرة فيها. وعبر نائب رئيس محكمة النقض عن استيائه من التصريحات التليفزيونية لوزير العدل المستشار أحمد الزند، بشأن الأحكام الصادرة عن المحكمة وتعبيره عن شعوره بالخجل منها، مشددًا على أنه شعور لا يمكن أن يوصف به حكم قضائى ولا يصدر من قاض يحترم القضاء ويجلّه. إلى أين وصلت قضيتكم المنظورة فى مجلس التأديب والصلاحية؟ هناك جلسة تم تحديدها فى الثانى والعشرين من الشهر الجاري، ولكنى أود أن أشير أولاً إلى أننا كنا قرابة 56 قاضيًا بمجلس التأديب أول درجة، وللأسف لم نحظ بأى نوع من أنواع الحق فى الدفاع، ولم يتحدث أحدنا على الإطلاق طوال فترة التحقيقات، فقد فاجأتنا محكمة أول درجة بقرار حجز الدعوى للحكم دون أن تستمتع لأحد من القضاة أو تستجيب لأى طلبات لمناقشة الشهود أو المبلغين، وبهذا أهدرت ضمانات حقوق الدفاع فى أول درجة، مما دفع 14 منظمة حقوقية دولية وعربية ومصرية إلى إصدار بيانات تؤكد أن المحاكمة لم تكن عادلة وإنما افتقرت لضمانات أساسية وأنه لا يجوز أن يعوّل على الأحكام الصادرة فيها، والأكثر من هذا أن الحكم نفسه فى هذه الحالة يكون منعدمًا وبالتالى يلحقه البطلان المطلق وهو ما دفعنا به فى صحيفة الاستئناف أمام مجلس التأديب الأعلى، وقلنا إنه فوت علينا درجة من درجات التقاضى لأننا لم نتمكن من الدفاع، مما يوجب على محكمة الدرجة الثانية أو مجلس التأديب الأعلى أن يفصل فى هذا الانعدام وهو واضح ومستقر عليه فى المبادئ القانونية والدستورية. ماذا جاء أيضًا فى صحيفة الاستئناف المقدمة منكم؟ قلنا فيها إن الحكم نفسه صدر فى غياب العلانية وبطريقة سرية مخالفة للدستور، وقدمنا بلاغا لدى النائب العام بهذه الواقعة ، كما ذكرنا فيها خمسة وعشرين دفعا قانونيا يقضي على الدعوى من أساسها ، و ذكرنا كذلك أكثر من مائة سبب بفساد الحكم وبطلان إدانتنا .. ويكفي أن أقول أن صحيفة الاستئناف بلغت صفحاتها أكثر من مائتي صفحة ، ومن ضمن ما ورد بها التأكيد على وجود الموانع القانونية لدى القاضيين أحمد جمال الدين عبد اللطيف وأيمن كامل عباس . وكان يلحق أيضا برئيس مجلس التأديب السابق ذات المانع القانوني وهو المستشار حسام الدين عبد الرحيم وقد كان حصيفا ومدركا لصحيح القانون فقرر في أول جلسة مثلنا أمامه أنه غير صالح لنظر الدعوى وبالتالي طلب منا عدم إبداء أي دفاع أو دفوع وقام بتأجيل الدعوى جلسة بعد أخرى حتى أحيل للتقاعد في الثلاثين من يونيو الماضي ، إلا أن هذا المسلك السديد لم يستمر بعد ذلك ورأينا القاضيين الآخرين ضمن التشكيل في الجلسة الوحيدة التي عقدت لنظر الدعوى يوم 14 / 12 من العام الماضي بما يدل على أن نهجا مخالفا سيتّبع رغم علمهم بالمانع الذي أبديناه. لماذا أنذرتم مجلس التأديب الأعلى وطلبتم تغيير تشكيله؟ مجلس التأديب الأعلى مشكل من قضاة بحكم مناصبهم، فكنا نعرف التشكيل الذى سنمثل أمامه، وهو مشكل من سبعة قضاه بينهم ثلاثة لحق بهم "مانع قانوني" يمنعهم من المشاركة فى المحاكمة أو سماع الدعوى وإصدار الحكم بنص قانون المرافعات الذى يقضى ببطلان الحكم الصادر فى هذه الحالة حتى وإن كان الحكم قد صدر باتفاق الخصوم ورضاهم حفظا للثقة العامة في القضاة والاطمئنان للمحاكم. ما هذا المانع القانوني؟ هو مانع يتصل بضمان حيدة القاضى وتجرده، فهما الدعامتان الأساسيتان لاستقلال القضاة، حيث لا بد أن يطمئن المتقاضون الذين يمثلون أمام المحكمة إلى أن القضاة محايدون ليس لهم موقف ظاهر ثابت منهم ومناهض لهم أو يكون لهم رأى مسبق ومعلن بخصوص قضيتهم، وغيرها من الموانع كأن تكون هناك علاقة نسب أو قرابة أو وجود خلاف أو اشتراك فى إبلاغ، ونحن فى هذه الحالة نبهنا فى صحيفة الاستئناف لوجود هذه الموانع القانونية لدى القضاة الثلاثة، وقلنا إنهم اشتركوا فى عمل من أعمال الإحالة للتحقيق عند تقديم البلاغ الأول الذى قادنا للمحاكمة التأديبية، والخطابات الصادرة منهم كلها كانت تحمل معنى إدانة مسبقة، فقالت إن البيان الذى أصدرناه هو بيان سياسى وقطعت بأنه صدر من منصة رابعة وكلاهما غير صحيح، وقطعت بأنه اشتغال بالسياسة وبأنه انحياز لجماعة الإخوان المسلمين، وكل ذلك افتراء ، لكنه ثبت فى مكاتباتهم كلها بحيث أصبح لديهم قناعة ويقين عبروا عنهما فى هذه المكاتبات وبقرارهم الإذن بالتحقيق معنا، وبالتالى فإن القانون ينص على أن القاضى الذى اشترك فى أحد إجراءات التحقيق لا يستطيع الاشتراك فى المحاكمة وهكذا الإحالة، وما حدث أنهم لم يحيلونا للتحقيق فقط، وإنما حين وردت إليهم التحقيقات كاملة فى حوالى ما يقرب من ألف صفحة تتضمن تحريات مباحث الأمن الوطنى وشهادات الشهود وآراء الخبراء طالعوها بالكامل بالإضافة إلى المذكرة التي أعدها قاضي التحقيق وتضمنت الاتهامات المسندة لكل من مصدري البيان، وبالتالي كونوا عقيدة بعد مطالعة كل هذه الأوراق ورجحوا معها الإدانة بما يؤكد أنهم قد قطعوا في أصل المسألة ، ومن ثم يكون المرجح أن ينتصروا لرأيهم الأول وأن يتجاهلوا أي وجه للدفاع يخالف هذا النهج الذي انتهجوه . وماذا بعد تنحى المستشار أحمد المنشاوى عضو المجلس عن نظر الطعون لاستشعاره الحرج؟ أولا، هو لم يتنح برغبته ولم يستشعر الحرج وإنما هو ممنوع قانونًا من الوجود ضمن تشكيل المجلس، فهو أحد المبلغين عنا، وكان سكرتير مساعد مجلس إدارة نادى القضاة الذى تولى سكرتارية الجلسة الطارئة المنعقدة فى 24 / 7 / 2014 لمناقشة البيان وفحصه، والتى انتهت بإسقاط عضوية 75 قاضيًا من عضوية النادى دون الاستماع إليهم، كما قرر إبلاغ النائب العام ومجلس القضاء الأعلى ووزير العدل بالتحقيق معنا جنائيًا بدعوى أننا هددنا السلم الأهلى وانقلبنا على النظام ، وكان اسمه من ضمن الموقعين على ذلك البلاغ ، وإني أتساءل : إذا كان القاضي صالحا لنظر دعوى هو الذي أبلغ عنها !! فمتى يكون القاضي غير صالح ، كما إنني أتساءل إذا كان الأمر مرده للقاضي نفسه حتى يقرر صلاحيته من عدمها في نظر الدعوى ، فماذا سيكون الحال لو كان القاضي أحمد المنشاوي قد تمسك بالاستمرار في نظر الدعوى والحكم على خصومه . وما الموقف القانونى من هذه الجلسات التى انعقدت بهذا التشكيل؟ هذه جلسة باطلة بالكامل لوجود بطلان في التشكيل، وقد فوجئنا باستمرار الجلسة وبأن رئيس مجلس التأديب يؤجلها إلى جلسة 22 فبراير الجاري دون أن يهتم بإعلان من لم يعلن، فمن حضر هذه الجلسة لا يتعدى عددهم 15 قاضيًا من أصل 55 ، وكان يتعين على رئيس المجلس أن يوقف الجلسة على الفور حتى يقوم بتعديل التشكيل الباطل ، لكنه لم يفعل ذلك ، بل استمرت الجلسة وكأن شيئا لم يحدث . وماذا عن القاضيين الآخرين؟ لم يتنحيا حتى هذه اللحظة، وأتوقع أنهما سيكونان موجودين فى الجلسة المقبلة، فقد لفت نظرى فى خبر تنحى القاضى المنشاوى ثلاث نقاط، أولها تأكيده أنه أخبر رئيس مجلس التأديب بوجود المانع القانونى قبل الإنذار وهو ما يجعلنا نتساءل عن سبب جلوسه على المنصة رغم علمه ويقينه بوجود هذا المانع، الثانية أن هناك مصدرًا قضائيًا مجهولاً صرح فى ذات الخبر بأن المجلس لا يعرف "الرد" ولا يستطيع أحد أن يرده وهذا غير حقيقى على الإطلاق، حيث لا يوجد فى قانون السلطة القضائية نص واحد يمنع الرد، بل على العكس فقد تم تعديل القانون رقم 142 لسنة 2006 ليضع نظامًا دقيقًا فى حالة غياب أحد الأعضاء أو وجود "مانع" لديه وهو ما يؤكد وجود "حق الرد"، كذلك فمن المعروف أنه حتى وإن خلا القانون من تنظيم لمسألة معينة فيجب أن نرجع فيه للقانون العام وهو هنا قانونا الإجراءات الجنائية والمرافعات المدنية ، كما أن من أصول المحاكمات العادلة التي يجب أن تتوافر ألا يكون القاضي خصما وحكما ، فهذا يهدر مبدأ الحيدة والقول بأن القضاة الذين يحالون إلى مجلس التأديب محرومون من ردّ من يقوم مانع قانوني في حقه معناه أنهم يحرمون دونا عن باقي المواطنين من حق أصيل وبالتالي يكون مركزهم أسوأ من مركز باقي المتقاضين وهو ما لا يمكن اعتباره أمرا قانونيا أو منطقيا . كما أن ذلك يخالف الأحكام الصادرة من المحكمة الدستورية العليا التي قضت بعدم دستورية اشتراك من قام بالإحالة في المحاكمة ، وبالمجمل فإن هذا القول يخالف الدستور والقانون والمنطق والمبادئ القضائية المستقرة . قلت فى حوار سابق إنكم ستتجهون لتدويل قضيتكم.. ماذا تم بشأن ذلك؟ قمنا بالفعل بطرح قضيتنا كقضية حقوقية أصبحت دولية وسنتابعها حتى ولو انتهى الأمر إلى إقصائنا وعزلنا من القضاء لتوثيق ذلك وإظهاره أمام الرأى العام الدولى والعالمى لإبراز ماذا يحدث مع القضاة فى مصر، وأؤكد أن هناك تجاوبًا كبيرًا جدا فى هذا الشأن، فقد أصبح لدى منظمات كبرى دولية ذات شأن معتبر كل تفاصيل مجريات المحاكمة الأولى، مثل المنظمات التابعة للأمم المتحدة والمفوض الدولي لاستقلال القضاء في منطقة الشرق الأوسط ومنظمة هيومن رايتس ووتش وهيومن رايتس مونيتور والمجلس الأفريقى لحقوق الإنسان وغيرها من المنظمات الدولية والإقليمية، وقد أعدت هذه المنظمات تقارير عن المحاكمة ننتظر إعلانها فى الأيام المقبلة ، كما أنني لن أستغرب إذا أرسلت هذه المنظمات قضاة دوليين لحضور المحاكمة ومتابعتها وكتابة تقارير عن مدى توافقها مع معايير العدالة الدولية والمحاكمات المنصفة . وماذا عن المنظمات المصرية المعنية بذلك أيضًا؟ هناك منظمات وجهات حقوقية مصرية اهتمت وأرسلت خطابات إلى مجلس التأديب الأعلى ورئيس محكمة النقض مثل "الجماعة الوطنية لحقوق الإنسان" التى طلبت حضور مندوبين عنها للمحاكمات المقبلة فى 14 و22 من الشهر الجارى ولكن مجلس القضاء الأعلى رفض تسلمها، فأعادوا إرسالها بالفاكس وسترسل كذلك بطرق أخرى لتكون أكثر توثيقًا. تحدث وزير العدل فى لقائه التليفزيونى الأخير عن تعديل قانون الإجراءات الجنائية بما يجعل الاستغناء عن سماع الشهود جائزًا.. ما أثر ذلك على توفر ضمانات وشروط المحاكمات العادلة قانونيًا؟ باعتبارى قاضيًا جنائيًا ترأست دائرة جنائية وعملت بمحكمة النقض لثمانية عشر عامًا حتى الآن، أقول إنه من الأصول الأساسية للمحاكمات الجنائية سماع الشهود، لأن التحقيق الحقيقى الذى يعتد به هو الذى يجرى أمام محاكم الجنايات وكل ما قبله يعد تحقيقًا ابتدائيًا، ولا يمكن أن يُمنع متهم من أن يناقش من يقيم عليه الدليل، ولمحكمة النقض فى هذا قول بديع، حيث قالت إنه يجب سماع الشهود حتى وإن كانت المحكمة قد اطمأنت للشهادات الواردة فى التحقيقات، لأن سماع الشاهد بنفسه وترقب خلجات نفسه وردود فعله حيال السؤال وتفرس القاضي فيه خلال إدلائه بأقواله تعطى للقاضى ما يكوّن به عقيدته وهذا لا يمكن أن يتأتى إلا إذا كان أمامه الشاهد واستمع إليه وعاينه بنفسه ، فحرمان المتهم من سماع الشهود يعنى ببساطة أن ما يرد بمحاضر الشرطة وتحقيقاتها هو الحجة الوحيدة ويحكم على أساسها ولا تعطى المتهم الحق فى أن يفند هذه الشهادة، فكيف يمكن إهدار أصل من أصول المحاكمات وهو كفالة حقوق الدفاع وحقهم الأصيل فى مناقشة الشهود وطرح الأسئلة عليهم وسؤالهم فى تفاصيل القضية، فمثل هذه "التهويمات" المقصود منها دفع القاضى لإدانة من يمثل أمامه وهى ليست خطرًا فقط على المتهمين فى هذه الأيام ولكن على مستقبل القضاء المصرى كله، وأقول لمن يسعى لإهدار هذه الأصول والضمانات العادلة: احذر فربما حوكمت بمثل هذا القانون ذات يوم كما حدث مع الدكتور محمد لبيب شقير، رئيس مجلس الأمة فى عهد الرئيس الراحل السادات، عندما قبض عليه فى حركة التصحيح في مايو من عام 1970 وحوكم بقانون المحاكمات الاستثنائية الذى وافق عليه بنفسه وأبدى بعد ذلك ندمه على مشاركته في إصداره وأمنيته بأن يحظى بمحاكمة أمام قضاء طبيعي وبضمانات عادلة. عبّر الوزير فى اللقاء نفسه عن خجله من بعض الأحكام التى تصدر من محكمة النقض وخصوصا حكم الإعدام الصادر ضد "حبارة".. ما ردك كقاض بالمحكمة؟ شعور الخجل لا يمكن أن يوصف به حكم قضائي، لأننا حينها نصف كذلك من أصدره بوصف غير طيب وهو لا يجوز أن يصدر من شخص يجل القضاء ويحترمه، لكن فيما يخص حكم إعدام حبارة، فإذا صح الكلام عن الخجل فكان الأجدر به أن يكون من الحكم الذى صدر من قبل قاضٍ واحد هو القاضي "محمد شيرين فهمي" الذى وقع على مسوّدة الحكم ولم يوقع معه القاضيان الآخران فعقد الجلسة بدونهما بقاضيين آخرين ونطق بالحكم بالإعدام ، رغم أن أحكام الإعدام ينبغى أن تكون بإجماع الآراء وهو ما لم يتوافر فى الحكم على حبارة، لأنه صدر دون موافقة العضوين الآخرين، وقد ذكرت محكمة النقض أسبابها فى إلغاء الحكم الأول انتصافا للقانون وللقواعد التى تثبّت الثقة فى القضاء ، وهو يحمل مع هذه المعاني معنى إدانة من أصدر وحده الحكم بالإعدام بمخالفة لكل الأعراف وإهدار لآراء زملائه في ذات المحكمة اللذان لم يوقعا على مسودة الحكم !! ومن العجيب أن من أصدر هذا الحكم المعيب هو نفسه قاضي التحقيق الذي حقق معنا في قضية البيان وقضية "قضاة من أجل مصر" وطلب إحالتنا إلى الصلاحية . هاجم الوزير كذلك "تيار الاستقلال" واصفًا إياه بأنه "الوجه الكئيب لجماعة الإخوان داخل القضاء".. ما ردك وأنت أحد رموز التيار؟ لا علاقة لتيار الاستقلال بجماعة الإخوان المسلمين، فالاستقلال فكرة وعقيدة نشأت مع نشأة القضاء نفسه، وهى فكرة لا يحتكرها أحد وتتسق مع نفس كل قاض يريد أن يكون قاضيا حقيقيا، وتيار الاستقلال يشمل كل القضاة المطالبين بالاستقلال، لكن دائما ما تتكون لهذه الفكرة والمعتقد الراسخ فى نفوس القضاة نخبة يدافعون عنه ويبرزونه ويشرحونه ويقدمون الأفكار والحلول والمقترحات من أجل تحقيقها، وهو تيار سارٍ في القضاء المصري الحديث منذ عام 1882 حين طالب المؤمنين بالاستقلال بإنشاء المحاكم الأهلية من القضاة المصريين فقط. وكان رموزه أيضا الإمام محمد عبده ، وهو أول من طالب بتحصين القضاة من العزل وكذلك عبد العزيز باشا فهمي، مؤسس محكمة النقض، الذى طالب بإلغاء المحاكم المختلطة وبأن تستقل مصر بقضائها فتحقق ما طالبا به بعد ذلك بسنوات بعدم جواز عزل القضاة في عام 1946 وبإلغاء المحاكم المختلطة في 1949، وكذلك ممتاز نصّار الذي أصدر بيانا يرجع فيه هزيمة يونيو إلى غياب الحرية وسيادة القانون وعدم احترام المشروعية الدستورية ، ومنه أيضا يحيى الرفاعى الذي طالب بإلغاء حالة الطوارئ وتدخل لدى الرئيس مبارك لإلغاء قراره بإحالة جنود الأمن المركزي للمحاكمة العسكرية دفاعا عن اختصاص القضاء وحماية لأرواح المتهمين فاستجاب له الرئيس وألغي قراره بإحالتهم للمحاكم العسكرية . وغيرهم من القامات والرموز التى لا يمكن أن نقول إنها كانت من جماعة الإخوان والتى كانت لها أدوار ومواقف لا حصر لها وذات تأثير إيجابى على القضاء والوطن كله، ما يمكننا معه القطع بأنه لا يوجد إنجاز واحد طوال تاريخ القضاء المصرى الحديث، إلا كان وراءه تيار الاستقلال سواء على مستوى تأكيد الاستقلال القضائى أو فى تقديم الخدمات. هل كان لتيار الاستقلال مواقف معارضة للرئيس المعزول محمد مرسى خلال توليه الرئاسة؟ بالطبع كان لتيار الاستقلال مواقف معارضة لنظام الرئيس الأسبق محمد مرسي، ولو تحدثت عن تجربتى أنا الشخصية، فقد التقيت به مرتين خلال فترة رئاسته، منهما مرة كانت من خلال دعوة مجلس القضاء الأعلى برئاسة المستشار ممتاز متولي، حيث طلب منى حضور اللقاء مع الرئيس فى قصر الاتحادية فى أعقاب التظاهرات أمام المجلس، والتى صدرت فيها هتافات مسيئة وبذيئة ضد القضاة، وقد تحدثت فى هذا اللقاء مدة 40 دقيقة وحدى وقلت إن القضاة لا يقبلون هذا وإنه مسئول عن هذه الإهانات الموجهة إليهم، لأنها صدرت من أنصاره وأعضاء الحزب والجماعة اللذين ينتمى إليهما ولذلك وجب عليه الاعتذار، وهو ما حدث بالفعل وصدر الاعتذار فى اليوم نفسه وقبل وصولنا لمنزلنا، كذلك تحدثت عن إقصاء ثلث القضاة بقانون كان يناقشه مجلس الشورى وأخبرته بأنها ستكون مذبحة مسيئة لنظامه يرتكبها ضد كبار رجال القضاء، وعارض تيار الاستقلال عزل النائب العام وتعيين غيره، لأن التيار هو صاحب الفضل فى تحصين منصب النائب العام فى عهد الرئيس الأسبق مبارك، كما عارض قانون العزل السياسى الذى طالب به الكثيرون وعلى رأسهم جماعة الإخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة وأنصارهما في الجمعية التأسيسية ، فالمواقف المعارضة العلنية كثيرة ومعروفة ولكن لمن يريد أن يراها . إلى أين ستصل دعاوى عزل ومحاكمة رئيس الجهاز المركزى للمحاسبات المستشار هشام جنينة قانونيًا خصوصًا مع وجود قانون عزل رؤساء الهيئات الرقابية؟
هذا قانون غير دستورى ولو عرض على المحكمة الدستورية لقضت بعدم دستوريته ، لأن الدستور هو الذى يحصّن رئيس الجهاز المركزى للمحاسبات، والقانون الصادر يعارض حكم الدستور ويلتف عليه، و"جنينة" في رأيي أصبح هو الرمز الوحيد لمكافحة الفساد في مصر ، وكل محاولات العزل والتشويه التى يواجهها "بائسة" و"يائسة" ، ولكن حتى إذا تمكن النظام من الإطاحة برئيس الجهاز المركزى للمحاسبات فهل يتمكن من الإطاحة به فى أذهان الناس ومحو مكانته فى نفوسهم بعد ما تكشّف لهم من جهده في فضح الفساد والحرص على المال العام؟ فأتصور أن الدعم الشعبى والجماهيرى الذى يحظى به جنينة يحصنه مما هو أخطر من العزل وغيره، ولا أدل على ذلك من أنه فور تحول الرأي العام لمناصرة جنينة وبدا في الأفق انقلاب السحر على الساحر الذي صنع هذا الإفك ، فصدرفورا القرار بحظر النشر لحجب الحقيقة ولكن ضياء الحقيقة لا يغيب.