جاء حكم محكمة النقض بقبول الطعون في الأحكام بإعدام 149 متهمًا في أحداث "مجزرة كرداسة"، التي قتل فيها عدد من ضباط وأفراد الشرطة، ليضع المحكمة تحت مقصلة الانتقادات من جانب الإعلام وجهات سيادية. وأمرت المحكمة بإعادة محاكمة المتهمين في الهجوم، الذي قتل فيه 14 شرطيًا في 14 أغسطس 2013، وهو اليوم نفسه الذي فضت فيه الشرطة اعتصامين لأنصار الرئيس المعزول محمد مرسي وأطلقت النار على مئات المتظاهرين وقتلت عددًا كبيرًا منهم في القاهرة. وكان الحكم الأول بإعدام المتهمين صدر في فبراير 2015 مع أحكام أخرى بالإعدام على أعداد كبيرة في عدة محاكمات انتُقدت بشدة دوليًا. لم يكن حكم محكمة النقض بإلغاء أحكام الإعدام على هؤلاء المتهمين هو الوحيد الذي أسقطته المحكمة في المحاكمات التي تشهدها مصر؛ فهناك عشرات الأحكام الأخرى المثيرة للجدل التي صدرت بحق المئات من أنصار مرسي من خلال الدوائر التي عرفت بدوائر الإرهاب. إلغاء محكمة النقض لأحكام الإعدام في "مذبحة كرداسة"، أغضب جهات سيادية والإعلاميين الموالين للسلطة الذين شنوا هجمة شرسة على كيان هذه المحكمة ووصل الأمر إلى اتهامها بأنها "إخوان وانتصرت للإرهابيين". وعبر الإعلامي أحمد موسي مقدم برنامج "على مسئوليتي" على قناة "صدى البلد" عن غضبه الشديد من قبول طعون المحكوم عليهم بالإعدام في "مذبحة كرداسة"، قائلاً: "أين قضاة مصر المحترمين ممن تروه من مشاهد ذبح لأفراد وضباط الشرطة في كرداسة، أين العدل، أين القصاص يا قضاة مصر المحترمين"؟ ونصب موسى نفسه متحدثًا باسم الشعب عبر برنامجه قائلاً: "الشعب بيسأل وأسر الشهداء بتسأل هي مذبحة كرداسة لما حصلت كان فيها اعترافات الإرهابيين اللي نفذوا الجريمة، اعترفوا طيب هي حصلت بالصدفة ولا تعتبر جريمة ضد الإنسانية"؟ متسائلاً: "أين العدل"؟ ووصل الأمر حد اتهام موس للمحكمة بأنها "خدمت جماعة الإخوان وانتصرت لهم"، قائلاً: "جماعة الإخوان، أطلقت اليوم هاشتاج بعنوان "القضاء المصري شامخ"، بعد حكم المحكمة الصادر اليوم"، موضحًا أن "القضاء المصري بالفعل شامخ إلا أن الإخوان استغلوا قرار محكمة النقض لصالحهم، خاصة وأن أهالي الشهداء كانوا ينتظرون تأييد الحكم في القضية ثأراً لذويهم".
المستشار أحمد الزند وزير العدل لم يخف هو الآخر سخطه من محكمة النقض على وجه الخصوص، حين عبر في مقابلة مع أحمد موسي عن "خجله" من نقض حكم "حبارة" من قبل محكمة النقض. وقال نصًا: "أنا خجلان .. أنا خجلان لأن ده ميحصلش في أي بلد في الدنيا.. مينفعش.. ميصحش"، وهو ما يعد اعتراضًا على حكم قضائي صدر من محكمة النقض في مخالفة لمبدأ أنه "لا تعقيب على أحكام القضاء"، حسب ما نص عليه الدستور. واشتعلت الأزمة بين وزير العدل، ومحكمة النقض، بعد أن نشرت الجريدة الرسمية قرار الوزير برقم 189 لسنة 2016، بنقل مقر انعقاد جلسات الطعن رقم 655 لسنة 85 قضائية والخاصة بالرئيس الأسبق حسنى مبارك، إلى مقر أكاديمية الشرطة بالقاهرة الجديدة، على الرغم من قرار محكمة النقض السابق برفض طلب الداخلية بنقل المحاكمة. وقال المستشار أحمد سليمان وزير العدل الأسبق، إن الهجوم على محكمة النقض يعد حملة مغرضة تتستر خلف الدفاع عن حقوق الشهداء، وتساءل: "أين كان هؤلاء حين ألغت محكمة النقض حكم الإدانة الصادر ضد مبارك والعادلي.. ألم يكن هناك أيضًا شهداء ومصابون يتجرعون الآلام"؟، الأمر الذي يؤكد أن التغني بحقوق الشهداء ليس إلا لافتة يتخذونها لمهاجمة محكمة النقض على أحكامها التي لا تروق لها". وأضاف سليمان في تصريحات إلى "المصريون" أن "محكمة النقض لن تتأثر المغرضة التي يقودها جهات إعلامية وسيادية وسيصدرون أحكامهم طبقًا لما تمليه عليهم ضمائرهم". من جهته، قال المستشار عادل الشوربجي، عضو المجلس الأعلى للقضاء، إن محكمة النقض لا تحاكم متهمين ولكن أحكام. وأضاف في مداخلة هاتفية مع الإعلامي سيد علي لبرنامج "حضرة المواطن": "لا أحد يملك الإشادة أو التعليق على أحكام القضاء، والقضاء منزه عن أي شيء وهو يطبق القانون، وهو معصوب العينين". وتابع: "محكمة النقض سبق وأن أصدرت تأييد لأحكام الإعدام، وسبق أن ألغت أخرى، لو الحكم غير مشوب بأي عيب أو فساد في الاستدلال وما غير ذلك بتقبل الحكم". وشدد الرئيس عبدالفتاح السيسي على أن الدولة لا ولن تتدخل في شئون القضاء، كما أن القضاء النزيه لا يسمح لأحد بالتدخل في شئونه، مشيرًا إلى أن الحكم في قضية كرداسة مثال على ذلك. وأوضح السيسي، خلال افتتاحه لعدد من المشروعات الخدمية والسكنية بمدينة السادس من أكتوبر، أنه عندما يكون هناك تجمهر يصعب الوصول إلى الحقائق، لافتًا في الوقت ذاته إلى أن الدولة المصرية دولة مؤسسات وأن الحكومة تسعى إلى تشكيل وعي وفهم حقيقي لكل الأمور والتوصل إلى صيغة تفاهم بين الحكومة وكافة الشباب المصري.