صادمًا ومحبطًا كان الخطاب الرابع لبشار الأسد منذ اندلاع الثورة السورية المباركة، وليست الصدمة وليدة المحتوى المهترئ والبائس للخطاب، فهذا ما اعتدناه من الزعماء العرب لاسيما قبيل سقوطهم، ولكن مبعث الصدمة والإحباط هذه المرة كان اللغة الفجة (بل الدموية...!!) التى استخدمها بشار فى مخاطبة شعبه الأبى الشجاع الذى يقف بصدوره العارية فى وجه بطش زبانية النظام وعصابات شبيحته رغم استخدامهم لأعتى أساليب القمع وأكثرها وحشية فى العالم. وبدلاً من اعتراف الأسد بخطورة الأزمة التى تواجهها سوريا بسبب تعنته وعناده وجبروت نظامه، وبدلا من الإقرار بمسئوليته الأخلاقية والتاريخية تجاه شعبه فى هذه اللحظة الحرجة بدلاً من ذلك كله راح يهدد السوريين ويتوعدهم بمزيد من المجازر وإراقة الدماء وإزهاق الأرواح، وفى نبرة متعالية ولهجة متعجرفة قطع بشار الأسد الطريق على أية حلول سياسية تحلحل الأزمة من مكانها، وبكل صلف وغرور رمى بالمبادرة العربية فى وجه الجامعة بدولها وزعمائها وأمينها العام، وفى إفلاس شديد وكلام ممجوج أخذ يكرر أن سوريا تواجه مؤامرة كونية خطيرة يشارك فيها: الثوار والمعارضة السورية، ووسائل الإعلام العالمية، والقوى الدولية، بل والدول العربية كذلك!! وهذا الكلام القمىء المستهجن لا يدل على الإفلاس السياسى وحسب، بل له دلالته الأخطر إذ يظهر بوضوح شديد عدم جدية نظام الأسد وعدم رغبته فى إيجاد أية حلول مقبولة للأزمة الراهنة فى سوريا، وعدم استعداده لتلبية أية مطالب للثوار ولو فى حدها الأدنى، وكل هذا يؤكد بما لا يدع مجالا للشك على أن ما تقوم به الجامعة العربية من إجراءات فى سوريا ما هو فى الحقيقة إلا مضيعة للوقت، وكأن الجامعة بذلك تمنح بشارًا وزبانيته المزيد من الوقت لقتل السوريين، وتوفر له غطاء دبلوماسيا عربيا لارتكاب المزيد من الجرائم البشعة والمجازر الوحشية المروعة بحق شعبه الأعزل!! ويبدو جليًّا أن نظام الأسد الفاشى لا يدرك أن الشعب السورى البطل لم يعد يرضى بالخنوع، ولن يقبل بالإهانة، أو يسكت على الظلم والقمع بعد الآن؛ لأنه بالفعل بات يفضل الموت على المذلة، وليس هذا شعارا يرفعه الثوار وحسب فى مدن سوريا وشوارعها، بل هو قرار حاسم اتخذه السوريون، وليس أمام بشار سوى الاستجابة والرضوخ لهذا المطلب الشعبى الذى لا رجعة فيه أبدا. ولم يعد مقبولا بتاتا أن يستمر النظام السورى فى قتل عشرات السوريين الأبرياء يوميا، ولن ينجح فى محاولات تضليل المراقبين العرب والتحايل على عملهم، وسوف تخفق بإذن الله كل خططه لشق صفوف المعارضة السورية وتأجيج الخلافات بين مكوناتها وأطيافها المختلفة، كل ذلك لن يفيده فى شىء؛ فمن يحدد المسار الحقيقى للثورة السورية هو الشعب السورى نفسه برجاله وشبابه ونسائه وأطفاله، وليس هذا الطرف أو ذاك من أطراف المعارضة الرسمية فى الداخل أو فى الخارج. والواقع يؤكد أن هناك تطورا جذريًّا وحاسما طرأ على السياسات والتوازنات الإقليمية والدولية بعد الربيع العربى، ولا يمتلك نظام الأسد أى مساحة للمراوغة، ولم يعد لديه أى نفوذ هنا أو هناك، وليس فى استطاعته الوقوف طويلا أمام مطالب الشعب السورى المسالم الذى يقاوم ببسالة نادرة طغيان هذا النظام المتوحش، والحقيقة التى يرفض بشار الاعتراف بها حتى الآن أنه فى مواجهة مع شعبه لا أكثر ولا أقل، وهذا الشعب لن يتخلى أبدا عن أهدافه مهما حدث، وحتى تنتصر ثورته، وتتحقق إرادته، عليه بعد التوكل على الله أن يوحد صفوفه، ويجمع كلمته، ويطلب العون من الله وحده ولا ينتظر شيئا من أحد!! [email protected]