نتائج الانتخابات شهدت مفاجآت غير متوقعة.. صحيح أنها أسفرت عن فوز كبير ومتوقع للإخوان.. إلا أنها أيضًا جاءت فى جانب منها بما يُعد صادمًا، كما توقعنا قبل الانتخابات وفى أكثر من مقال. فإذا كان الإخوان والسلفيون قد فازوا بما يحقق لهما الأغلبية فى البرلمان.. إلا أن رموزا إخوانية وسلفية كبيرة خسرت فى دوائر تعتبر معاقل سلفية وإخوانية.. أمام مرشحين ليبراليين.. بل إن بعضهم دخل فى جولة إعادة بالإسماعيلية مثلا مع مرشحين من "الفلول"!!.. وهى واحدة من أكثر النماذج دلالة على صعوبة الحكم على المزاج السياسى المصرى، والرهان على قراءات سياسية مفصولة عن العامل الطبقى والعائلى والقبلى والمناطقى وتأثيره على اتجاهات الرأى العام فى مصر. لكن المفاجأة الأكبر.. هى المشاورات التى تجرى الآن بين القوى السياسية، لتشكيل "تكتلات" تحت القُبة.. والتى تمضى فى اتجاه قد يغير التفكير النمطى والأفكار المسبقة والمعبأة بشأن الحالة الإسلامية باعتبارها كتلة واحد صماء.. أو أنها محض "حلف دينى" مناهض للتيارات المدنية. المعلومات الواردة إلينا تقول إن كلا الحزبين الكبيرين: الحرية والعدالة "الإخوان".. والنور" السلفى".. فى سبيلهما إلى فض الارتباط السياسى بينهما.. ويبحث كلاهما "منفردا" عن قوى بديلة عن الآخر، لتأسيس تكتلات موازية مستقلة ومتنافسة.. إذ يتجه الإخوان نحو الوفد وأحزاب إسلامية صغيرة.. فيما يتجه السلفيون نحو "الوسط" و"الكتلة المصرية".. وهى مفارقة مدهشة وتعتبر أحد أبرز مفاجآت ما بعد الانتخابات البرلمانية. وإذا كان من المتوقع أن يتحالف الإخوان مع الوفد.. باعتباره امتدادًا لتجربة انتخابات عام 1984 حين تحالفا معًا بنظام القوائم آنذاك وحصلا على 54 مقعدًا.. فإن تحالف السلفيين مع "الكتلة المصرية" يعتبر هو المفاجأة الأبرز فى المشهد السياسى المصرى هذه الأيام.. سيما وأن الكتلة تصنف باعتبارها الوعاء السياسى الحاضن للقوى الليبرالية المتطرفة.. وكانت التصريحات الصادرة من المرجعيات السلفية الكبيرة، تحذر من أى تقارب سياسى مع التيارات غير الدينية. من الواضح أن العقل السياسى السلفى، يتطور بشكل مدهش، وبات وعيه السياسى يفارق بالتدرج الاجتهادات المحافظة بشأن الموقف من الآخر.. والأهم من ذلك هو إدراك بأن اللعبة السياسية لها أدواتها الخاصة.. صحيح أن الجانب الشرعى فى أية مسألة يظل هو المفصل الحاكم فى "فقه الحركة" لدى التيارات الإسلامية عمومًا إلا أن الانخراط فى العمل السياسى الرسمى، يرغم النشطاء الإسلاميين على التأمل وإنعاش ملكة الإبداع والخيال.. وهى الظاهرة التى بتنا نشعر بزخمها بشكل واضح فى الأيام الأخيرة. [email protected]