حقوقيون ينتقدون الإفراط في استخدامه.. وفقهاء: يمكن رفع دعوى أمام القضاء الإداري لإلغائه أصبح معتادًا مع كل قضية تشغل الرأي العام في مصر أن يصدر قرار بحظر النشر فيها، وقد أصبح ذلك السلاح الأبرز للسلطة الحالية التي صدر في عهدها العديد من قرارات حظر النشر، إذ بلغ عدد القضايا التي قرر النائب العام حظر النشر فيها منذ تولى الرئيس عبدالفتاح السيسي مقاليد الحكم 2014، أكثر من 16قضية، من بينها قضية مقتل الناشطة شيماء الصباغ، وقضية فساد وزير الزراعة السابق، وحادث الواحات. وكان قرار النائب العام المستشار نبيل صادق بحظر النشر حول تقرير المستشار هشام جنينة، رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات عن حجم الفساد في مصر خلال السنوات الأربع الأخيرة، والذي قدره ب 600 مليار جنيه وهو آخر قرار من هذا النوع، وصدر في خضم جدل واسع حول تقرير لجنة تقصى الحقائق التي شكلها الرئيس عبدالفتاح السيسي ووصفت الأرقام التي أظهرتها دراسة الجهاز بالمبالغ فيها واتهمت أعضاء الجهاز بتعمد تشويه مصر والاشتراك مع جهات أجنبية في إعداد الدراسة. وتزامن قرار حظر النشر حول "تقرير جنينة" بالتزامن مع قرار محكمة القضاء الإداري، التي قضت بإلغاء قرار النائب العام بحظر النشر في قضية تزوير الانتخابات الرئاسية 2012. واعتبر الناشط الحقوقي جمال عيد، مدير الشبكة العربية لحقوق الإنسان، أن أكثر انتهاك لحقوق الإنسان في عهد السيسي هو حظر النشر. وقال في تغريدة له على موقع "تويتر" "معلومة: أكثر انتهاك لحرية التعبير أيام مرسي= قضايا إهانة الرئيس، أكتر انتهاك لحرية التعبير أيام السيسي= قضايا ازدراء الأديان+ حظر النشر". وسخر الناشط الحقوقي نجاد البرعي، من قرار حظر النشر في الوقت الذي ألغى فيه القضاء حظر نشر قضية تزوير الانتخابات الرئاسية: "مبروك رفع حظر النشر عن قضية تزوير الانتخابات الرئاسية؛ والبقاء لله في حظر النشر في تقارير الجهاز المركزي.. ربك يقطع من هنا ويوصل من هنا". وتساءل في تغريدة له على حسابه في موقع "تويتر": "هل منع النشر في تقارير الجهاز المركزي بشأن الفساد سيمنعه؟ لو مش هيمنعه هل سيدعمه ويزيده؟ طيب هو إحنا أصحاب البلد ولا ضيوف فيها؟ من حقنا نعرف".
وقال الدكتور رمضان بطيخ، الفقيه الدستوري، إنه على النائب العام، أن يوضح السبب وراء القرار بحظر النشر في "تقرير جنينة". وأضاف "المصريون" أن "قرار الحظر فيما يخص تقارير رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات لن يتخذ إلا إذا كانت هناك مصلحة عليا في هذا الأمر فقد يكون هناك أمور لم نعلمها نحن وتخص المصلحة الوطنية للبلاد". وأشار بطيخ إلى أن "هذا القرار من الممكن أن يلغى في حالة رفع قضية لبطلانه، ولكن يشترط أن ترفع ممن له مصلحة في هذا الشأن وسيقع عليه ضرر". وقال الدكتور فؤاد عبد النبي، الفقيه الدستوري، إنه "من حق النيابة العامة متمثلة في النائب العام أن تحظر النشر في القضايا التي تتعلق بالمصلحة العامة والأمن القومي بالبلاد، وفق القانون الذي أعطى النائب العام هذا الحق". وأضاف: "النائب العام يستمد صلاحيته في حظر النشر من القانون الإجراءات الجنائية ومن كتاب النيابة العامة الذي كفل له الحق في إصدار قراراته، ومن يخالف ذلك يقع تحت طائلة قانون العقوبات المصري"، لافتًا إلى أن قرار حظر النشر يكون مقيدًا بمدة زمنية لحين الفصل فيها. وأوضح عبدالنبي، أن قرارات حظر النشر التي يصدرها النائب العام تتعلق بالقضايا التي تثير لغطًا في الشارع، ومن بينها "تقرير هشام جنينة الذي أثار لغطًا كبيرًا في الشارع وغضب بعض الفئات في مقابل رضا البعض الآخر". مع ذلك، أكد أستاذ القانون الدستوري، أنه "من حق أي مصري رفع دعوى أمام القضاء لإلغاء قرار النائب العام بحظر النشر، طالما طالت عن المدة المسموح بها، حيث إن قرار حظر النشر دائمًا ما يكون مرتبطًا بعامل الوقت الذي لا يزيد على عام، أما لو تم مده إلى أكثر من تلك المدة فإنه لا يجوز، كما أن ذلك سيكون غير مستساغ منطقيًا ولا عقليًا، فضلاً عن أنه غير متفق مع مبادئ العدالة وسيادة القانون واستقلال القضاء". وتابع: "وبناءً على ذلك فإنه من حق أي شخص الطعن على هذه القرارات ويتم إلغاؤها طالما طالت عن المدة المعروفة"، موضحًا أن "ذلك الحق مكفول وفق المادة (97) من دستور 2014، والتي نصت على أن "حق التقاضي مصون ومكفول للكافة ويحظر النص على تحصين أي قرار أو عمل من رقابة القضاء". ورأى عبدالنبي أن "هشام جنينة يواجه حملات تشكيك وعنف من أصحاب نفوس مريضة، ممن يطبلون للنظام ولمصالح شخصية بعيدًا عن مصلحة البلاد، دون أن يقرأوا جيدًا نصوص الدستور، الذي حظر عزل رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات إلا في حالة واحدة لو ثبت ارتكابه جرائم حددها قرار (89) لرئيس الجمهورية، لسنة 2015 "إذا قامت بشأنه دلائل قوية تمس أمن الدولة وسلامتها".. "فقد الثقة والاعتبار".. "الإخلال بوجبات الوظيفة بما من شأنه الإضرار بالمصالح العليا للبلاد".. "لو فقد شرط الصلاحية". وأضاف أستاذ القانون الدستوري، أن "جنينة قام بأداء دوره وفق الصلاحية المخولة له في المادة (215) للمادة (221) أي تدور صلاحيته في نطاق 7 مواد دستورية أعطته حق الرقابة على مؤسسات الدولة". وشدد على أن "هذا الحق بالرقابة الفساد وفق المادة (218) من الدستور، الذي نص على مكافحة الفساد المتفشي في الدولة المصرية"، مؤكدًا أنه ليس من حق أي جهة الرقابة على جنينة، لأنه هو المختص بالرقابة على أجهزة الدولة. ولفت إلى أن مجلس النواب أيضًا ليس من حقه الرقابة عليه، لأنه هو الرقيب على المجلس في عرض الموازنة العامة وفق المادة (126) من الدستور، التي نصت على أنه "يجب عرض الحساب الختامي للموازنة العامة للدولة على مجلس النواب خلال مدة لاتزيد 6 شهور من تاريخ انتهاء السنة المالية، ويعرض نحو التقرير السنوي للجهاز المركزي للمحاسبات وملاحظاته على الحساب الختامي" إذا وفق تلك المادة ليس من حق مجلس النواب الرقابة على الجهاز المركزي بل هو من يراقب ويعرض ملاحظته فيما يخص الموازنة العامة. وقال الدكتور شوقي السيد، الفقيه الدستوري، إن النائب العام عقب انتهاء التحقيقات سيعلن بيانًا فيه ما توصلت إليه التحقيقات فيما يخص القضية التي تم حظر نشرها، مشيرًا إلى أن قانون الإجراءات الجنائية نص على (اعتبارات العدالة والآداب للحفاظ على أدلة التحقيق وعدم التأثير على سير التحقيقات أثناء التحقيق). وأوضح أن "حظر النشر رخصة أعطاها القانون للنائب العام وهيئة المحكمة"، مضيفًا: "لهم الحق في استخدامها بقضية ما - التحقيقات فيها جارية - بهدف الحافظ على الأدلة وتحقيق العدالة".