يبدو أن أيام رئيس الوزراء الجزائري أحمد أويحيى في السلطة باتت معدودة جدا، حيث تفجرت عاصفة غضب جديدة وتحديدا بين الإسلاميين حول تصريحاته الأخيرة بشأن متاجرة نظيره التركي رجب طيب أردوغان بدماء الجزائريين . ففي 8 يناير، دافعت حركة مجتمع السلم الإسلامية في الجزائر بشدة عن رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، قائلة :"لا نقبل قول أويحيى إن أردوغان يتاجر بدماء الجزائريين". وكان رئيس الوزراء الجزائري والأمين العام للتجمع الوطني الديمقراطي أحمد أويحيى هاجم في 7 يناير تصريحات أردوغان الشهر الماضي التي أكد فيها أن باريس قامت ب "إبادة" الجزائريين خلال فترة الاستعمار الفرنسي للجزائر، في رد فعل منه على تبني فرنسا قانون "إبادة الأرمن" والذي أثار استياء واسعا في تركيا. وقال رئيس حرك مجتمع السلم أبوجرة سلطاني في مؤتمر صحفي :" نحن لدينا قضية تاريخية هي أن الاستعمار حصد من أبناء الجزائر 5,5 مليون منهم 1,5 مليون خلال حرب الاستقلال (1954-1962)، وعندما يتكلم أحد عن قضيتك ترحب بذلك وتقول له شكرا، ولا تقول له أنت تتاجر بدمائي".بل واعتبر سلطاني أن تصريحات أويحيى هي "خدمة لفرنسا وشكر لها على قتل الجزائريين"، قائلا :" نحن نتكلم عن الصحراء الغربية فهل نحن نتاجر بدماء الصحراويين؟". وتابع "لما كنا في الثورة (حرب الاستقلال) وقدم جمال عبد الناصر الدعم لنا فهل تاجر بدمائنا؟ وكذلك الأمر بالنسبة للحسن الثاني وقبله محمد الخامس (الملكان المغربيان الراحلان) وبورقيبة الرئيس التونسي الراحل"، وذلك في إشارة إلى الدعم الذي تلقته الجزائر خلال حرب الاستقلال من تونس والمغرب ومصر. واستطرد سلطاني " أردوغان لم يطلب منا شيء هو فقط قال لفرنسا أنتم تقولون إن تركيا أبادت الأرمن في 1915 ، أذكركم أنكم أبدتم الجزائريين"، واختتم رئيس حرك مجتمع السلم، قائلا :" نحن ندعم كل من يرفع شعار أن تعترف فرنسا الرسمية بجرائم فرنسا الاستعمارية وأن تعتذر لها وتعوض ضحاياها". ورغم أن حرك مجتمع السلم "حمس" كانت انسحبت مؤخرا من التحالف الرئاسي الحاكم الذي كان يربطها بالتجمع الوطني وجبهة التحرير، إلا أن ما يضاعف مأزق أويحيى أن حليفه حزب جبهة التحرير الوطني كان اعتبر في وقت سابق أن رئيس الوزراء التركي باتهامه فرنسا بارتكاب إبادة في الجزائر لم يعبر سوى عن "مطلب تاريخي" للجزائريين. وأكد الحزب الذي قاد حرب استقلال الجزائر بين 1954 و1962 أن جبهة التحرير لم تتوقف يوما عن الطلب من فرنسا الاعتراف بجرائمها المرتكبة في الجزائر خلال فترة الاستعمار. ورغم أن أويحيى أعلن في 8 يناير أنه "باق" في منصبه في الحكومة الحالية وتحدى مطالب المعارضة برحيله وتشكيل حكومة من التكنوقراط تمهيدا للانتخابات التشريعية المقررة في مايو 2012 ، إلا أن هجومه المتكرر على الإسلاميين واستبعاده فوزهم في الانتخابات المقبلة ضاعف الشكوك حول قدرة حكومته على إجراء انتخابات نزيهة، ولذا يرجح على نطاق واسع أن يتسبب هجومه على أردوغان في تراجع شعبيته أكثر وأكثر، بل والإسراع بالإطاحة بحكومته. وكان مصدر مطلع على مناقشات داخل النخبة الحاكمة في الجزائر كشف بالفعل في 5 يناير أن قرارا اتخذ لتعيين "شخصية حيادية" لرئاسة الوزراء للإشراف على الانتخابات البرلمانية المقرر إجراؤها هذا العام . ونقلت وكالة "رويترز" عن المصدر السابق قوله إن الشخص المرجح لخلافة رئيس الوزراء الحالي أحمد أويحيى هو الطيب لوح، وهو قاض سابق يتولى الآن منصب وزير العمل. وجاءت الأنباء السابقة غير المؤكدة بعد أن طالبت أحزاب المعارضة الرئيسة في الجزائر الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بإقالة أويحيى وتعيين حكومة تكنوقراط مؤقتة لضمان عدم تزوير الانتخابات التي ستجري هذا العام، بل ونقلت قناة "الجزيرة" عن فاتح الربيعي من حزب النهضة القول إنه إذا كان بوتفليقة جادا بشأن إجراء انتخابات حرة ونزيهة، فإنه يتعين عليه قبول مطالب الأحزاب وتعيين حكومة جديدة مكلفة بمهمة واحدة هي الإشراف على الانتخابات. وكانت تصريحات رئيس الوزراء الجزائري في خطاب ألقاه أمام قياديين من حزبه في 6 يناير حول أن بلاده لا تنتظر ربيعا ديمقراطيا على غرار ما يقع في المنطقة العربية أثارت مخاوف الإسلاميين حول نزاهة الانتخابات المقبلة. وقال أويحيى:" الشعب الجزائري ليس في انتظار ربيع ديمقراطي، الحرية والديمقراطية ليست جديدة في البلاد بل تحتاج فقط للتطور، الجزائر في سنوات الإرهاب نظمت انتخابات رئاسية في 1995 وانتخابات تشريعية ومحلية العام 1997 وكانت وقتها الديمقراطية مستمرة"، معتبرا أن الشعب الجزائري قدم مثالا للعالم العربي قبل 20 عاما لما عرف التعددية الحزبية والإعلامية ، في إشارة إلى دستور 1989 الذي أقر التعددية الحزبية. وبصفة عامة، وإلى حين اتضاح طبيعة التطورات في الجزائر في الأيام المقبلة، فإن كثيرين يرجحون أن أويحيى ليس برجل المرحلة المقبلة التي يتطلع فيها هذا البلد العربي للمضي قدما في مسيرة الإصلاحات التي أطلقها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في إبريل 2011.