ما إن أعلنت حركة طالبان موافقتها على فتح مكتب لها في قطر لإجراء مفاوضات غير مباشرة مع الغرب حول وضع نهاية للحرب في أفغانستان، إلا وأكد كثيرون أنها وقعت في الفخ الأمريكي ومنحت الرئيس الأمريكي باراك أوباما فرصة ذهبية لضمان انسحاب مشرف من أفغانستان، بل ومضاعفة حظوظه أيضا للفوز بولاية ثانية. وكان الناطق باسم طالبان ذبيح الله مجاهد أعلن في 3 يناير أن الحركة وافقت على إنشاء مكتب سياسي يكون بمثابة وسيط لها فى المفاوضات مع المجتمع الدولي. وأشار مجاهد إلى بدء المحادثات التمهيدية والتوصل إلى تفاهم مبدئي مع الأطراف ذات الصلة بالموضوع بما فى ذلك الحكومة القطرية لإنشاء المكتب السياسي في الدوحة. ولم تكد تمر ساعات على التصريحات السابقة، إلا ووافقت واشنطن على شرط طالبان بالإفراج عن عدد من معتقليها في معتقل جوانتانامو، ونقلت وكالة أنباء "بجافاك" الأفغانية عن مصادر أمريكية مطلعة القول في 4 يناير إن واشنطن وافقت من حيث المبدأ على الإفراج عن مسئولين رفيعى المستوى من حركة طالبان في معتقل جوانتانامو، مقابل موافقة الحركة على فتح مكتب لها في قطر لتسهيل الحوار مع الغرب. وأضافت المصادر السابقة أنه من بين الأشخاص الذين سيتم الإفراج عنهم الملا خير خوا وهو وزير داخلية سابق في حكومة طالبان قبل الإطاحة بها في 2001 ونور الله نوري وهو حاكم سابق في شمال أفغانستان. ولعل ما يؤكد أن أوباما لن يفوت فرصة ما اعتبره أهم إنجاز سياسي في سنوات الحرب العشر في أفغانستان لرفع شعبيته في عام الانتخابات الأمريكية أنه ضغط على حكومة الرئيس الأفغاني حامد كزراي للتخلي عن معارضة فتح مكتب لطالبان في قطر، حيث كان يفضل أن يكون هذا الأمر في السعودية أو تركيا، بالنظر إلى علاقاته الجيدة معهما. بل ونقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن مصادر أفغانية القول أيضا إن وفدا من الحزب الإسلامي الذي يتزعمه رئيس الوزراء الأفغاني السابق قلب الدين حكمتيار والذي يحارب منذ عشر سنوات حكومة كابول وحلف شمال الأطلسي "الناتو" التقى الرئيس حامد كرزاي ودبلوماسيين أمريكيين، وذلك في خطوة ثانية بعد حركة طالبان التي أبدت استعدادها لمحادثات سلام في هذا البلد. وبالإضافة إلى ما سبق، فإن تصريحات نائب الرئيس الأمريكي جوزيف بايدن لمجلة "نيوزويك" في ديسمبر الماضي حول أن حركة طالبان ليست عدوا للولايات المتحدة كشف بوضوح أبعاد المخطط الأمريكي الجديد في أفغانستان والذي يقوم على كسر شوكة طالبان وتهيئة أفغانستان لحرب أهلية بعد انسحاب قوات الناتو في 2014 لتكون في حاجة دائمة للدعم الأمريكي . فمعروف أن الناتو فشل فشلا ذريعا أمام طالبان رغم رفع عدد قواته في 2010 إلى 130 ألف جندي ، بل وكشفت إحصائية نشرتها وكالة الصحافة الفرنسية مؤخرا أن عدد قتلى الحلف بلغ 565 خلال 2011، وهي ثاني أكبر خسارة يتكبدها منذ دخوله أفغانستان عام 2001. وأمام ما سبق، سعى أوباما بقوة لإجراء مفاوضات سلام مع طالبان وحزب حكمتيار للخروج من المستنقع الأفغانى بشكل مشرف، بالإضافة إلى محاولة تكرار النموذج الصومالي أو "الدولة الفاشلة" في أفغانستان، حيث يعتقد على نطاق واسع أن واشنطن ستعمل على إضعاف موقف من تقوم بالمفاوضات معه من حركة طالبان عبر إغرائه بالمناصب والأموال، كما حدث فى الصومال مع الرئيس الحالى شيخ شريف شيخ أحمد عندما جعلته يتخلى عن أهدافه من خلال حركة المحاكم الإسلامية والتي دخل في صراع معها بعد ذلك. والخلاصة أن استراتيجية أوباما الجديدة في أفغانستان تقوم على كسر شوكة طالبان من خلال المفاوضات بعد فشل الحل العسكري والسعي لإشعال الصراع بين الفرقاء الأفغان كما هو حادث فى الصومال.