الإنسان المحب لأمته ووطنه يسعى دائماً إلى ترك التنازع , بل والتعاون مع الآخرين على البر وأعمال الخير , وينهى عن كل ما يجر على الوطن شراً أو سوءاً , فهو دائم البحث عن مواضع الخلل يسدد ويقارب , ويصالح ويجمع الشمل , ويوحد الصف إبتغاء الرفعة والنجاح . فالتكامل هو منهج فهم للواقع القائم ينظر فيه المرء إلى من حوله ويدفع بهم نحو الأفضل , فهو قوة إضافية على طريق النجاح يحمل مع إخوانه أحد أطراف الحمولة الملقاة على الكواهل , ومن صور التكامل أن يكمل الإنسان نفسه لتتوازن جوانب شخصيته وتتكامل , فانظر معي أيها القارئ الكريم إلى الصديق رضي الله عنه فلقد كان لين الجانب وهو أرأف هذه الأمة بها بعد نبيها صلى الله عليه وسلم , إذ أنه حين تولى الخلافة ظهر في شخصيته جانب الحزم إذ أقدم على قتال مانعي الزكاة في الوقت الذي أحجم فيه بعض كبار الصحابة ثم وافقوه على ذلك , وانظر معي إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذ كان مشهوراً بالحزم والقوة في الحق فلما تولى الخلافة ظهر في شخصيته الرأفة واللين وهنا يقول الإمام إبن تيمية { فلما توليا اكتملا } أي حدث التكامل في الشخصية بعد التولية لكونهما من بين الخلفاء الراشدين الذين أوصى رسولنا صلى الله عليه وسلم بالتمسك بسنتهم من بعده إضافةً إلى سنته صلى الله عليه وسلم , ومن صور التكامل أنه إذا كان القائد حازماً إتخذ نائباً له لين الجانب , وإن كان ليناً اتخذ نائباً له حازم الجانب ليحدث التكامل في الهيئة القيادية . ومن صور التكامل أن يتكامل الشباب مع شيوخهم فيبادرون إلى العمل في الموقع الذي لا يقدر عليه الشيوخ فيحدث بذلك التكامل بين القوة التنفيذية وبين الخبرة القيادية فيتم العمل على الوجه الأكمل , ومن صور التكامل هو أن تعمل الدولة على تحقيق الاكتفاء الذاتي من الاحتياجات الضرورية بشكل لا تحتاج فيه إلى أحد , ومن صوره أيضاً التكافل الاجتماعي بأن يساعد الغني الفقير المحتاج فتتحقق الكفاية بين أفراد المجتمع , بل إن هناك نوعاً من التكامل الاقتصادي يكون على مستوى الدول المتفقة في الأيدولوجيات . ومن صور التكامل أن نبني على ما سبق ونكمل من حيث انتهى الآخرون , ونعالج ما يطرأ من سلبيات , وندعم ما يظهر من إيجابيات , ولا يصح أن نتصور أن يقوم واحد منا أو جماعة أو حزب بمفرده بالنهوض بوطن عريض يضم طوائف كثيرة دون أن يشاركهم أو يتكامل معهم , فحالة التكامل يشعر فيها الجميع بأهمية دوره مهما كان صغيراً فهو مجرد ترس في آلة كبيرة لا تعمل إلا به . وختاماً فإن ثقافة التكامل تحتاج إلى سعة أفق ونظرة واقعية وقلوب تشعر بهموم الوطن فتسارع إلى الاجتماع لصالح المشروع الأكبر الذي نحيا جميعاً من أجله ألا وهو إعلاء كلمة الله تعالى في المقام الأول ثم النهوض بالوطن ثقافة وأخلاقاً وبناءاً وتعميراً ليكون في مصاف الدول الكبرى . والله المستعان