أكثر من 30 قضية ينظرها القضاء الدولي.. تقديرات بمليارات الدولارات تعويضات على مصر.. الحجز على أرصدة الدولة فى حالة عدم السداد.. ورئاسة الجمهورية تطلب ملفًا كاملاً عن التحكيم الدولي.. وعضو بهيئة قضايا الدولة: لسنا مسئولين عن فشل الآخرين.. وخبراء: مصر تواجه الإفلاس وعلى السيسى أن يتدخل جاء قرار غرفة التجارة الدولية "ICC" بإلزام الهيئة المصرية العامة للبترول بتعويض قدره 1.8 مليار دولار لصالح شركة الكهرباء الإسرائيلية فى نزاع حول الغاز، ليمثل ضربة قوية للنظام الذى ما يزال يعانى من تبعات حادث الواحات والتعويضات للمكسيك وتفجير الطائرة الروسية والتعويضات لموسكو، كما يأتى ذلك التعويض ضمن جملة من القضايا الدولية المرفوعة على الدولة، والتى تقدر بأكثر من 30 قضية، بمجمل تعويضات يصل إلى 20 مليار دولار على أقل تقدير. تسلط "المصريون" الضوء على قضايا التعويضات، وتفتح ذلك الملف الشائك الذى يهدد الدولة بالإفلاس، حسب خبراء. وتكمن خطورة ملف التعويضات على الجانب الاقتصادى لمصر، فى أن 60% من القضايا يُحكم فيها لصالح المستثمر، ما يعنى أن تخسر مصر15 قضية فى السنة الواحدة، مما يجعلها تتكبد الغرامات تصل إلى عشرة مليارات دولار، وفقًا لتقرير الاستثمار الدولى لمنظمة "الأونكتاد". وفى 2014 ذكرت تقارير دولية أن مصر تحتل المرتبة الرابعة فى العالم، والأولى فى شمال أفريقيا والشرق الأوسط، كطرف مرفوع ضده قضايا تحكيم دولى بعدد 24 قضية. وإلى ذلك يعيش النظام حاليًا أيامًا صعبة بسبب هذه التعويضات المالية الضخمة لشركات أجنبية وحكومات دول أخرى التى لجأت إلى التحكيم الدولى تتجاوز احتياطيات مصر النقدية، والتى تقدر هذا المبلغ بما يقارب مرة ونصف قيمة الاحتياطى من العملات الأجنبية الموجود فى البنك المركزى المصري، الذى يقدر ب 16.4 مليار دولار فقط، وفقا لبيانات حكومية. ووفقا للمستشار عزت عودة، رئيس هيئة قضايا الدولة السابق، الذى كشف عن وجود 37 قضية تنظرها مراكز التحكيم الدولية. وأوضح عودة فى تصريحات سابقة، أن إجمالى التعويضات التى يطالب بها مستثمرون فى قضايا تحكيم مرفوعة على مصر بالخارج تبلغ 100 مليار جنيه، وذلك بعد ارتفاع عددها خلال الفترة الأخيرة واحتمالات تزايدها بصورة أكبر مستقبلاً، بعد أن كانت لا تتجاوز قضيتين فى العام قبل ثورة 25 يناير 2011، وخاصة أنه تزامن مع الثورة صدور أحكام من محاكم القضاء الإدارى ببطلان عدد من عقود الخصخصة، وزعم هؤلاء المستثمرون أن هذه الأحكام قد أضرت باستثماراتهم. وأوضح المستشار محمود الخراشي، رئيس شعبة القانون الدولى بقسم المنازعات، أن المنازعات الخارجية بالهيئة تنقسم إلى قسمين أولها المنازعات أمام المحاكم التجارية وثانيها التقاضى التجارى. وأشار الخراشى فى تصريحات صحفية، إلى أن الأخطر هو التقاضى فى الاستثمار وأن بعد ثورة يناير، وصل إلى أن بلغ التقاضى النزاع إلى 37 قضية بمبلغ 100 مليار جنيه تشمل إنذارات ودعوى مقامة، وبموجب ذلك احتلت مصر المركز الثالث على مستوى العالم فى المنازعات الاستثمارية بعد الأرجنتين وفنزويلا. وأضاف أن الهيئة قامت بإنذار حكومتى الجنزورى وعصام شرف بأن الدولة على وشك الإفلاس وأن هذا الأمر يتعلق بالأمن القومى، وذلك بسبب الأخطاء فى صياغة العقود مع المستثمرين الأجانب، والتى يُلجأ بعدها إلى التحكيم الدولى والسبب الثانى سوء صياغة الاستثمار الثنائى ووصل إلى 103 عقود، وأن مصر ليس بها نموذج عقد استثمار ثنائى. وأضاف الخراشى أن الجهات الإدارية والأجهزة الإدارية هى التى تقوم بصياغة عقود الاستثمار وبعدها تتم مراجعتها من مجلس الدولة. يأتى هذا فى وقت أكد فيه مصدر حكومى تواجد أكثر من 30 قضية منظورة حاليًا أمام التحكيم الدولى ضد مصر، كاشفًا عن أن الحكومة قررت تشكيل لجنة عليا لدراسة قضايا التحكيم الدولى ضد مصر، والمنظورة أمام المحاكم الدولية، مشيرًا فى الوقت ذاته إلى أن مؤسسة الرئاسة طلبت ملفًا كاملا عن قضايا التحكيم الدولي. ورغم أنه لا توجد إحصائية رسمية عن عدد قضايا التعويضات المنظورة حاليًا، وبالتالى عدم وجود تقدير دقيق بمبالغ التعويضات المطلوبة من مصر، إلا أنه وفقا للتصريحات السابقة المرفقة بالبيانات الدولية، فإن عدد القضايا الحالية لن تقل عن 30 قضية تعويضات على مصر ما بين تحكيم تجارى بين شركات أو تحكيم استثمارى على الحكومة المصرية، ومن ثم فالمبالغ المطلوبة من الدولة تصل لعشرات المليارات، وفقًا لخبراء. يقول الدكتور هانى توفيق، الخبير الاقتصادى ورئيس الجمعية للاستثمار المباشر، إنه وفقًا لتصريحات رئيس هيئة قضايا الدولة بأن مصر تواجه أكثر من 30 قضية تعويضات تقدر ب100 مليار جنيهه، فإن التعويضات على مصر لن تقل بأى حال من الأحوال عن 20 مليار دولار، مما يزيد من خطورة الوضع الاقتصادى فى مصر والذى يعانى بالفعل، مطالبًا رئاسة الجمهورية بضرورة اللجوء إلى التفاوض مع الأطراف الدولية لمحاولة خفض تلك المبالغ. وأكد الخبير الاقتصادي، أن التعويضات الدولية على مصر واجبة السداد، محذرًا من خطورة عدم الوفاء بسداد التعويضات من أن تواجه الدولة عدة إجراءات من بينها الحجز على أرصدة مصر فى البنوك الدولية وتوقيف الطائرات المصرية فى المطارات الدولية، وغيرها من الإجراءات التى ستجعل صورة مصر سيئة أمام العالم والمستثمر الذى ندعوه دائمًا للاستثمار فى مصر، ونؤكد أن الوضع الاستثمارى آمن. وشدد الخبير الاقتصادي، على ضرورة أن يكون موضوع التعويضات ضمن أولويات الرئيس عبد الفتاح السيسي، لما يمثله من خطورة بالغة قد تصل بمصر إلى مرحلة الإفلاس. وأشار توفيق، إلى أن سداد التعويضات يكون من مخزون البنك المركزي، الذى هو من ضرائب المصريين، لافتًا إلى أن القروض التى تتفاوض عليها الحكومة ستكون لسداد تلك المديونيات. وقال المستشار أحمد الخزيم، الخبير الاقتصادي, إن الموازنة العامة التى تعتمدها الحكومة فى السنة المالية يوجد بها بند "التعويضات والالتزامات والاشتراكات الدولية للمؤسسات بالخارج"، والتى يتم دفع تعويضات للقضايا الدولية المرفوع فى المحكمة الدولية، مشيرًا إلى أن الرقم الموجود فى الموازنة يتراوح بين "8 إلى 10 مليارات جنيه". وأضاف الخزيم، أن مصر وقعت على اتفاقات لتطبيق المعايير الدولية بالدولة, بحسن معاملة رعايا الدول الأجنبية ضد الحوادث والكوارث, فى نفس التوقيت الذى تتعامل فيه الدولة المصرية مع المواطنين بمنطق ال"لا مبالاة"، وفقًا لقوله. وفى السياق ذاته، كشف المركز المصرى للحقوق الاقتصادية، فى تقرير حديث له، أن الحكومة فى ورطة مالية كبيرة بسبب سياسة الخصخصة الخاطئة، واللجوء إلى التحكيم الدولى الذى يضر بالاقتصاد المصرى كثيرًا، ويؤدى إلى عزوف المستثمرين العرب والأجانب عن الاستثمار فى مصر. وحدد الدكتور على الغتيت، أستاذ القانون والاقتصاد المقارن والمحكم الدولى البارز، مشكلة التعويضات بأنها تبدأ من إبرام العقد وتحديد الشروط بين الأطراف المتعاقدة واستغلال العيوب فى العقود والذى يترتب عليه أن يدخل أحد الأطراف تلك العيوب، مما يستطيع اغتصاب المزيد من الحقوق، وهو ما حدث فى قضية تعويض إسرائيل والتى استغلتها الأخيرة فى رفع الدعوى. وأوضح المحكم الدولى ل"المصرون"، أن تركيز الدولة خلال إبرام العقد مع الطرف الأجنبى على وضع بنود تؤكد حق الأطراف فى اللجوء إلى التحكيم الدولى أضر بصورة مصر وساهم فى الأزمة الحالية الآن. وأكد الغتيت، أن معظم قضايا مصر الدولية المتعلقة بالتعويضات خسرتها الدولة وتخسرها منذ 40 عامًا، مرجعًا ذلك إلى عدم الاستعانة بالخبراء الأكفاء والاعتماد على مكاتب أجنبية فى الوقت الذى نجهل فيه القوانين الدولية، مشددًا على ضرورة الاستعانة بالخبراء المصريين، حيث إن المصرى سيكون دفاعه عن بلده من باب الوطنية على عكس الخبراء الأجانب. ودلل أستاذ القانون الدولى على قوله بقضية تحكيم طابا، والتى كسبتها مصر، بفضل الاستعانة بخبراء مصريين، مشيرًا إلى أن الدكتور فؤاد محيى الدين، رئيس وزراء مصر خلال قضية طابا، طالب بالاستعانة بالخبراء المصريين ليكون فيما بينهم الروح الجماعية وهو ما حدث. ولفت الغتيت، إلى أن مصر تواجه عشرات القضايا الدولية، مضيفًا أن أى نزاع لا يقل حجم التعويض فيه عن مليار دولار، مما يجعل المبالغ المطلوبة من مصر ضخمة فى حالة خسارة الدولة قضاياها، مشيرًا إلى أن مفاوضات الدولة حاليا على قرض من البنك الدولى لسداد التعويضات به. وحذر المحكم الدولى من عدم وفاء مصر بدفع التعويضات، من أن يتم وضعها على القائمة السوداء ومن ثم عدم التعامل معها، والذى سيساهم فى هروب المستثمر مما يعزلها اقتصاديًا، معربًا فى الوقت ذاته عن تعجبه من تصريحات رئيس الحكومة، وبيان هيئة قضايا الدولة، بأن الدولة ليست ملزمة بتعويض الغاز، قائلا: "الدولة صحيح ليست طرفًا فى الأزمة الحاصلة ولكن التعويض يلزم مصر بأن تدفعه". وعن دور هيئة قضايا الدولة، قال أستاذ القانون الدولى إن الهيئة بها شباب صغير يملك خبرة متميزة، ولكنه مازال مبتدئًا، لافتا فى الوقت ذاته إلى أن الأمور يمكن أن تكون أحسن من هذا الحال. واقترح المحكم الدولي، تشكيل لجنة دولية برئاسة السفيرة فايزة أبو النجا وزير العلاقات الدولية الأسبق، يكون فى عضويتها المستشار مجدى العجاتى وزير الشئون القانونية، لما يملكه من خبرة فى هذا المجال، بالإضافة إلى عدد من الخبراء، يكون مهمتها مساعدة هيئة قضايا الدولة فى الدفاع عن صورة مصر، كما اقترح إنشاء مجلس آخر غير مجلس الدولة يكون من ضمن مهامه درس شروط العقد ومراقبة إبرامه، وبالإضافة إلى مجلس متخصص فى مراقبة تنفيذ يوميا منعا لأى معوقات أو خلل يوصلنا إلى ما نحن عليه حاليا. ومن جانبه، أوضح المستشار سمير القماش، عضو هيئة قضايا الدولة، أن مسئولية الهيئة تقع فى أنها تدافع عن صورة الدولة الممثلة فى الحكومة والوزراء والمحافظين فى الخارج والداخل ومن ثم فإنها تمثل الدولة أمام التحكيم الدولي، مشيرًا إلى أن الأطراف قبل إبرام العقد يتفقون على هيئة أو المؤسسة التى سيحتكمون إليها. وعن التعويض الأخير، قال القماش ل"المصريون" إن التعويض جاء ضد الهيئة العامة للبترول ولا علاقة للدولة التى نمثلها بذلك الحكم، محملاً المكاتب القانونية لتلك الهيئات المسئولية. وردًا على الانتقادات الموجهة لهيئة قضايا الدولة، لفت المستشار بهيئة قضايا الدولة، إلى أن المحامين الدوليين هم المنافسون لهم ودائما يعتقدون أن أعضاء الهيئة خصم لهم، متعجبًا من ذلك الهجوم على الهيئة خصوصًا أنه خلال 3 سنوات كسبت معظم قضايا الدولة بالخارج. وكانت مصر تبيع الغاز لإسرائيل بموجب اتفاق مدته 20 عامًا لكن الإمدادات توقفت فى 2012 بعد أشهر من الهجمات التى نفذها مسلحون على خط أنابيب الإمداد فى شبه جزيرة سيناء الواقعة على الحدود مع إسرائيل وقطاع غزة، وقالت القاهرة إنها ستطعن على حكم دولى يقضى بأن تدفع تعويضًا بقيمة 1.76 مليار دولار لشركة كهرباء إسرائيل، وإنها ستجمد مباحثاتها بشأن استيراد الغاز فى المستقبل من حقول إسرائيل العملاقة فى البحر المتوسط إلى حين تسوية النزاع. تأتى تلك الواقعة بعد حادث الواحات الذى وقع قبل ثلاثة أشهر وتحديدًا فى سبتمبر الماضي، وطالبت الحكومة المكسيكية على أثره نظيرتها المصرية بتعويض عن ضحاياها الاثنين اللذين سقطا فى الواحات، ودفعت مصر جراء الهجوم الخاطئ على السياح المكسيكيين 100 مليون دولار. وفى أكتوبر الماضي، سقطت طائرة الركاب الروسية تحمل 224 راكبًا فوق شبه جزيرة سيناء بعد إقلاعها بدقائق من مطار شرم شيخ، دون معرفة أسباب سقوطها، حتى أعلن تنظيم ما يسمى ولاية سيناء التابع لداعش، عن مسئولية تفجيرها، ثم توالت إعلانات الدول العالمية التى تُحمّل داعش المسئولية، حتى اعترف الكرملين على لسان الرئيس الروسى فلاديمير بوتين بتفجيرها، وفور تأكيد روسيا تفجير طائرتها، برزت التكهنات عن أن الحكومة الروسية ستطالب نظيرتها المصرية بتعويضات قد تصل إلى 2 مليار دولار. فيما أفادت مصادر حكومية، أن شركة التأمين ستتحمل جزءا من التعويضات، مشيرين إلى أنه فى حالة نجاح التفاوض مع روسيا التى تتمتع مع مصر بعلاقات متميزة فإن القاهرة ستدفع 674مليون دولار كتعويض للطائرة. ورغم أن الواقعتين مختلفتان إلى حد ما عن قضايا التعويض المرفوعة على مصر، لحملهما أبعادًا سياسية عنها من الناحية الاقتصادية، إلا أن التشابه يكمن فى التعويض الذى ستدفعه الدولة من ضرائب المصريين وسط أزمات اقتصادية متلاحقة.