حالة من الفزع انتابت قطاعا واسعا من النخبة المصرية عقب نشر صحيفة المصريون وثائق "ويكيليكس" الشهيرة مما يتصل بعلاقة عدد من النشطاء بالسفارة الأمريكية ، واهتم عدد من الفضائيات البارزة بعقد لقاءات وحوارات للدفاع عن هؤلاء "النشطاء" ومحاولة التشكيك في الوثيقة ، بل إن النزق وصل إلى التشكيك في ما تنشره "ويكيليكس" ذاتها من وثائق خطيرة ، رغم أن جميعهم كانوا يحتفلون بتلك الوثائق قبل عدة أشهر ، ووثائق ويكيليكس تسببت في أزمة كبيرة للإدارة الأمريكية وحاولوا القبض على صاحب الموقع وطاردوه في كل مكان ذهب إليه وحاولوا إغلاق الموقع ، إلا أن حملة تضامن عالمية مع الموقع وصاحبه فرض حماية أخلاقية عليه فاستعصى إغلاقه . الموقع ينشر صورا أصلية من وثائق السفارات الأمريكية حول العالم والتي كانت ترسل إلى الخارجية الأمريكية بصفتها "سرية" للغاية ، وفيها عادة معلومات خطيرة عن علاقات مسؤولين ونشطاء وسياسيين وإعلاميين في دول العالم المختلفة بأجهزة ومؤسسات وسفارات ، وبعض هذه المعلومات كان ضارا جدا بالإدارة الأمريكية ومصالحها حول العالم ، كما فضح أسماء وشخصيات في عواصم عربية وعالمية مختلفة بما كشفه عن تلقيها تمويلا سريا من أجهزة ومؤسسات أمريكية ، غير أن الموقع من باب المسؤولية كان يخفي بعض الأسماء المذكورة في الوثائق "يطمسها" إذا كانت المعلومات يمكن أن تعرض صاحبها للقتل . المصريون حصلت على بعض تلك الوثائق المتصلة بنشاط السفارة الأمريكية في القاهرة ، وحتى الآن ما زال الأمر في بداياته ، لأن هناك المزيد من الوثائق الخطيرة التي تكشف أسرار السنوات الأخيرة من حكم مبارك وعلاقة نشطاء مشهورين بالسفارة الأمريكية ، وأتمنى أن يكون هناك حوار جدي ومحترم حول هذه الحقائق بدلا من وضع رؤوسنا في الرمال ، على نحو ما حاول بعضهم فعله أمس وأول أمس عندما قالوا أن دعوتهم للسفارة الأمريكية كانت لحضور مأدبة عشاء ، وهي أول مرة أعرف فيها أن مأدبة العشاء في السفارة توضع على رسائلها عبارة "سري" ، أو أن تكتب السفيرة الأمريكية تنبيها خطيرا لوزارتها تقول فيها حرفيا "أرجو حماية هذه الأسماء بصرامة" ، وهي عبارة لا تقال أبدا لكل من دعوه إلى عشاء على حمام محشي أو وجبة سي فود ، ولا يمكن أن يقول هذا الكلام من يحترم عقله أو عقل سامعه . ويبدو أن وثائق ويكيليكس التي بدأنا نشرها لم تربك فقط النشطاء الذين يتقمصون أدوار البطولة ، بل أصابت الفضائيات بارتباك جعلها تنسى أبسط مقتضيات المهنية ، عندما تأتي بمن مستهم الوثائق لكي يعبروا عن رأيهم ويدافعوا عن أنفسهم ، بينما تأخذهم العصبية والعناد إلى حد الامتناع عن دعوة من نشروا الملف وفتحوا القضية ، لكي يواجهوهم بما نشروه ، وهي ملاحظة نسجلها للقارئ فقط ، أما عندنا فهي مفهومة لأن الدائرة مغلقة بين الصحف المتهمة والفضائيات التي تخدم عليها ، فمن يديرون هذه هم أنفسهم الذين يحركون تلك ، ورأس المال الشريك هناك هو نفسه رأس المال الشريك هنا ، وجميعهم ممن انتفخت كروشهم أثناء حكم مبارك ومنظومة الفساد المالي والاقتصادي التي كانت فيه ، وعلى كل حال عليهم أن يستجمعوا قواهم ويرطبوا أعصابهم جيدا ، لأن الآتي أصعب. [email protected]