ما إن أعلن الرئيس السوداني عمر البشير أن مقتل زعيم حركة العدل والمساواة المتمردة في إقليم دارفور خليل إبراهيم رسالة لأطراف داخلية، إلا ورجح كثيرون أن تركز الخرطوم خلال الأيام المقبلة على ضرب المتمردين في جنوب كردفان والنيل الأزرق قبل أن يتحولوا إلى خطر جدي يهدد بالانفصال. وكان البشير أعلن في خطاب له في حفل تخريج دورة القادة والأركان بحضور عدد من السفراء ورؤساء البعثات الدبلوماسية المعتمدين بالخرطوم في 28 ديسمبر أن مقتل إبراهيم رسالة لأطراف داخلية، ووصفه بأنه "قصاص رباني" لما ارتكبه من جرائم في حق الوطن والمواطنين السودانيين. وأضاف أن هذه الأطراف الداخلية لم تميز بين حق الوطن ومعارضة الحكومة ولم تستوعب المتغيرات بالمنطقة, وعلى رأسها تحسن العلاقات مع تشاد وسقوط نظام العقيد الليبي الراحل معمر القذافي وتوقيع وثيقة سلام الدوحة. وتابع البشير أن مقتل خليل يمثل نهاية لما أسماه فصل الأحقاد والخصومات غير المبررة بين أبناء الوطن، مشيرا إلى أن السودان تجاوز مرحلة الاكتفاء في إعداد نفسه لحماية أمنه وسلامه واستقراره, وبات يقدم خبراته وقدراته للأشقاء والأصدقاء. ورغم أن تصريحات البشير قد تبدو في الظاهر رسالة تحذير لمعارضيه السياسيين، إلا أن التقارير الصادرة من الخرطوم ترجح أنه يعي جيدا أبعاد زيارة رئيس جنوب السودان سيلفاكير لإسرائيل في الأيام الأخيرة ولذا فإنه سيركز على التخلص تماما من متمردي جنوب كردفان والنيل الأزرق المدعومين من جوبا. وكان نحو 417 ألف شخص شردوا في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق نتيجة للمعارك التي اندلعت بين الجيش السوداني ومتمردي "الحركة الشعبية لتحرير السودان-قطاع الشمال" في يونيو الماضي في ولاية جنوب كردفان المتاخمة لجنوب السودان والتي سرعان ما امتدت لولاية النيل الأزرق الحدودية المجاورة أيضا في سبتمبر. وبالنظر إلى أنه مازالت هناك قضايا عالقة خطيرة بين الشمال والجنوب بعد الانفصال، فقد تضاعفت المخاوف من احتمال استغلال تل أبيب وحليفتها جوبا لهذا الأمر لتمزيق الشمال عبر تقديم الدعم الواسع لمتمردي "الحركة الشعبية لتحرير السودان-قطاع الشمال" ودفعهم للمطالبة بالانفصال أيضا عن الوطن الأم. ولعل هذا ما ظهر في تصريحات مدير جهاز الأمن السوداني الفريق محمد عطا الذي أبدى خلال جلسة للبرلمان في 27 ديسمبر مخاوفه من إفرازات سلبية لزيارة رئيس جنوب السودان سيلفاكير ميارديت لإسرائيل مؤخرا. ولم يقف الأمر عند ما سبق ، حيث أشارت صحيفة "الانتباهة" الصادرة بالخرطوم إلى تضارب الأنباء عن مصير ياسر عرمان الأمين العام ل "الحركة الشعبية - قطاع الشمال" الذي أفادت بعض المصادر بأنه كان برفقة خليل إبراهيم زعيم "العدل والمساواة" قبل مقتله، فيما أشارت مصادر أخرى إلى اعتقاله بعد إصابته في اشتباك مع الجيش وهو متجه إلى جنوب السودان. كما كشفت الصحيفة عما سمته تفاصيل جديدة عن إحباط مخطط حركة "العدل والمساواة" بمحاولة إشعال الحرب مجددا في ولايات دارفور ونقلها إلى كردفان، بالتنسيق مع بعض القوى السياسية المعارضة بالداخل التي أعلنت عزمها إسقاط النظام بكافة الوسائل . وأشارت أيضا إلى أن السلطات حصلت على وثائق ومعلومات كشفت دور أجهزة الاستخبارات بدولتي جنوب السودان وأوغندا في دعم توجهات الحركات المتمردة في دارفور وولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق. بل وأعلن وزير الدفاع السوداني الفريق أول عبد الرحيم حسين أيضا أمام جلسة البرلمان في 27 ديسمبر أن هناك مخططا إسرائيليا لتهديد بلاده، عبر أذرع عسكرية تتمثل في الحركات المتمردة في البلاد . وبصفة عامة ، يجمع كثيرون أن إعلان الخرطوم في 25 ديسمبر عن مقتل خليل إبراهيم لايضاعف فقط فرص إحلال السلام في دارفور وإنما من شأنه أن يجهض أيضا المؤامرة الإسرائيلية الجديدة ضد السودان والتي تركز على تغذية التمرد في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق، على أمل انفصالهما أيضا عن الوطن الأم.