أكثر من تضرر من كارثة الطائرة الروسية هما: مصر وروسيا، فالطائرة أقلعت من مطار مصري، وتحمل سائحين كانوا في مصر، وسقطت فوق أرض مصرية، وهى بقعة مصرية تشهد عمليات عسكرية ضد الإرهاب، وروسيا متألمة وحزينة لأن ركاب الطائرة من أبنائها، وعددهم كبير، وبالتالي مصابها كبير. وعندما يدّعي تنظيم داعش أنه من أسقط الطائرة، فتلك مشكلة أخرى لمصر وروسيا إذا صار هذا الاحتمال البعيد قريبا، لأن البلدين يحاربان التنظيم، مصر تواجهه في سيناء، وروسيا تحاربه في سوريا رغم الشكوك حول جديتها في التركيز عليه خلال حملتها المتواصلة منذ 30 سبتمبر الماضي. والمتضررون الآخرون هم: الشركة الروسية مالكة الطائرة، وشركة إيرباص المصنعة للطائرة، والشركة الأمريكية المصنعة لمحركاتها، وإيرلندا البلد المسجل فيها الطائرة، ولذلك يشارك هؤلاء في لجنة التحقيق، لكن هل يمكن توسيع اللجنة لتشمل خبراء من أمريكاوبريطانيا أيضا، لأن هذين البلدين تحديدا، وعلى أعلى مستوى مخابراتي وسياسي فيهما يتحدثان عن الاحتمال الذي كان مستحيلا، وهو أن إسقاط الطائرة قد يكون تم بزرع قنبلة فيها. فرضية العمل الإرهابي لم تكن مطروحة فور الحادث، رغم إعلان داعش أنه من أسقطها، لكن بعد عدة أيام بدأت أجهزة استخبارات أمريكية وبريطانية تسرب استنتاجات حول هذا الاحتمال، كما تزايد عدد الخبراء الحاليين والسابقين في الاستخبارات والأمن والطيران الذين يتحدثون عن هذا الاحتمال الخطير، وهو أمر بجانب أنه متسرع إلا أنه يثير القلق. في البداية كانت اجتهادات المتحدثين في قراءة بيان داعش لا تتوقف أمام فرضية إسقاطها بصاروخ من جانب التنظيم، وبالتالي لا تقيم وزنا لبيانه لأن الطائرة كانت على ارتفاع 31 ألف قدم، واستهدافها على هذا الارتفاع ليس في مقدور أي تنظيم مسلح، لكن مع توسيع الرؤية بدأ يتم طرح فكرة زرع القنبلة، وجاء ذلك بعد أن نُشرت معلومات مستقاة من صور لأقمار اصطناعية أمريكية بأن هناك وميض حراري كان يصدر من الطائرة خلال انفجارها ما جعل محللون في أجهزة الاستخبارات يذهبون إلى فرضية الانفجار واحتمالية القنبلة، وقد بدأ ذلك يسيطر على العقل الاستخباري الأمريكي والبريطاني، ومنه ينتقل إلى العقل السياسي الرسمي في البلدين ليتبنى نفس الرؤية، والملاحظ أن الفرنسيين والألمان وغيرهم من الأوروبيين لم يتحدثوا مثل الأمريكان والبريطانيين، لا على مستوى أجهزة المخابرات، ولا الحكومات. الخشية هنا أن يتداخل السياسي مع الأمني والاستخباراتي والمعلوماتي في استباق لنتائج التحقيق الذي مازال في بداياته لأهداف ومصالح أمريكية بريطانية تجاه روسيا، أو كحلقة في صراعات خفية بين تلك القوى الكبرى، وكذلك استغلال الحادث في الضغط على مصر لأهداف معينة. والروس في ردهم على لندن وواشنطن ألمحوا إلى تلك النقطة، وأحرجوا العاصمتين عندما قالوا إن تحليلات مثل هذه تأتي في العادة على لسان خبراء، وليس مسؤولين، وطالما أن البلدين يملكان مثل هذه المعلومات فلماذا لا يقومان بتقديمها إلى المحققين؟. في بريطانيا، وبعد تصريح وزير الخارجية فيليب هاموند الأربعاء خرج رئيس الحكومة ديفيد كاميرون الخميس وكرر ما قاله هاموند بأن احتمال سقوط الطائرة بقنبلة أكبر من عدمه، ثم يحصن نفسه بأنه لا يمكنه تأكيد ذلك، ويجب الانتظار لمعرفة نتائج التحقيقات. واللافت هنا أن تلك التصريحات تم إطلاقها في وجود الرئيس المصري خلال زيارته لبريطانيا، ليس هذا فقط، بل اتخذت لندن قرارات بمنع الطيران إلى شرم الشيخ، وحذرت مواطنيها من السفر إلى مصر. التسرع الغربي يصل درجة كبيرة بدخول الرئيس الأمريكي نفسه على الخط، وحديثه بلغة يشوبها بعض الثقة بما لديه من معلومات من أجهزة مخابراته حيث قال : أعتقد أن هناك احتمال لوجود قنبلة على متن الطائرة، لكنه يستدرك بقوله إن المعلومات الاستخباراتية الحالية ليست حاسمة لإعلان كيف سقطت الطائرة بالتحديد، ونحتاج إلى وقت طويل للتأكد من أن تحقيقاتنا وتقاريرنا الاستخباراتية توصلت إلى ما حدث قبل إعلانه. ولذلك يتفق المصريون مع الروس في أن الفرضيات المطروحة بشأن أسباب سقوط الطائرة مجرد تخمينات، وهنا تشدد الرئاسة الروسية على أي رواية لما حدث لا يمكن أن تصدر إلا عن جهة التحقيق، وتعتبر سابقة لأوانها، وتعتمد معلومات غير مؤكدة، داعية من يمتلك معلومات حاسمة إلى تقديمها للمحققين، ومع ذلك فهى لا تستبعد أيضا أي فرضية حول أسباب التحطم. المنطق الروسي والمصري في تلك اللحظات الحساسة المطالب بالتريث هو الأسلم، فهناك لجنة تحقيق موسعة تعمل بحرفية ومهنية وشفافية كبيرة، ولم تتوصل لمعلومات بعد تدعم ولو من بعيد مسألة العمل الإرهابي. الحادث في حد ذاته كارثي، والتحرك في كشف أسبابه وملابساته بحاجة إلى عقل هادئ ومنفتح. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.