تحدثت في مرات سابقة عن موضوع تميز " الوسط " الحزب عن الإخوان " الجماعة " في عدة مجموعات من الفروق فذكرت منها في المرة السابقة المجموعة الأولى والمتعلقة بطبيعة التكوين والتشكيل وما يلحقهما من آثار بين " الحزب " و" الجماعة " ، وفي هذه المرة أتناول المجموعة الثانية من الفروق وهي تتعلق بالمشروع الفكري السياسي لحزب " الوسط " ، والحقيقة أن بعضا من الحركات الإسلامية وخاصة كبيرة الحجم منها تعامل مع الفكر بشيء من الغلظة أحيانا وعدم الاهتمام أحيانا أخرى وذلك لحساب فكرة التنظيم والتجنيد والسيطرة ، فتراجع دور المفكرين في هذه الحركات ، وبدا في الأفق ظهور مفكرين مهتمين بالفكر الإسلامي خارج إطار التنظيمات الإسلامية حتى عُرفت فكرة المفكرين الإسلاميين المستقلين ، فهؤلاء ينطلقون في مشروعهم الفكري بغير قيود وأثقال وحسابات التنظيمات الإسلامية وخاصة تلك التي تضيق ذرعا بالفكر والمفكرين ، وحاول هؤلاء المفكرون أن يسدوا الفجوة الفكرية الموجودة في الساحة الإسلامية الفكرية الثقافية منها والسياسية ، حتى بلوروا ملامح رئيسية للمشروع الحضاري الإسلامي بدأ هذا المشروع علماء من وزن المرحوم الشيخ محمد الغزالي والشيخ يوسف القرضاوي ود . أحمد كمال أبو المجد ثم المستشار طارق البشري والدكتور محمد سليم العوًّا والدكتور محمد عمارة والأستاذ فهمي هويدي بالإضافة للشيخ راشد الغنوشي بالرغم من ارتباطه التنظيمي بحركة الإخوان المسلمين ، وبدأ كما قلت يُطرح على الساحة الفكرية الإسلامية ما يُعرف بملامح المشروع الحضاري الإسلامي الفكري ( الثقافي منه والسياسي ) لكن المشكلة كانت أن الحركات الإسلامية جزء كبير منها تعامل مع هذه الأفكار والكتابات بالتحفظ وعدم القبول ولم يساهم في نشرها بين صفوف أعضائه وأحيانا حاربها ، وبذلك ظلت هذه الأفكار لا تجد ترجمة على الأرض في شكل عملي ومنظم وله أنصاره يحملونها إلى أرض الواقع ، فكانت فكرة حزب الوسط هي محاولة لترجمة أفكار هؤلاء المفكرين وخاصة المستقلين منهم إلى مشروع حي يسير على الأرض ومترجما هذه الأفكار في ملامح سياسية واضحة ، وحيث أن جزءا مهما من الحركة الإسلامية تعامل مع السياسة بازدواجية فأحيانا يعطيها اهتماما كبيرا عند مواسم الانتخابات بكافة أشكالها ، وأحيانا يتكلم عنها على أنها عمل أقل ما يُقال فيه أنه غير جدير بالاحترام والاهتمام بالنظر لباقي الأعمال والمهام الأخرى وخاصة الدعوية ، فلم يعطها وقتا للتفكير والدراسة والتطوير في وقت يكاد فيه الفكر السياسي الإسلامي وكذلك الفقه السياسي الإسلامي قد جُمد منذ كتاب الأحكام السلطانية للإمام الماوردي الذي كُتب منذ أكثر من ألف عام وبه اجتهادات خاصة بالإمام الماوردي وحده ولا تستند إلى أدلة قوية من مصادر الشريعة ( القرآن والسنة ) ، ولذلك كان تخصص " الوسط " في المشروع السياسي الإسلامي هي أحد تميزاته عن الآخرين فهو يحاول أن يترجم أفكار المشروع الحضاري الإسلامي وخاصة البعد السياسي منها في واقع ملموس من حيث البرنامج السياسي ومن حيث الوجود التنظيمي ومن حيث الأفراد المؤمنين به والمطبقين له ، و" الوسط "الفكرة والحزب وهو في طريقه لذلك حاول أن يقدم اجتهادات فكرية وسياسية جديدة إما في قضايا قديمة والرآى فيها يحتاج إلى تطوير، أو في قضايا جديدة لم يتناولها الفكر السياسي الإسلامي من قبل ، ولعل " الوسط " بذلك إضافة إلى ميزاته أو تميزه عن الآخرين هذه المجموعة من الاختلافات المتعلقة بالفكر السياسي الإسلامي ويحتاج الأمر كي تكون هذه المسألة واضحة أمثلة عليها سنطرحها بإذن الله في المرة القادمة والله المستعان E. mail : [email protected]