في يوم واحد لفت انتباهي هذين الخبرين: * الاول :صادرات كوريا الجنوبية تتجاوز 600 مليار دولار في 2012. *الثاني: هونج كونج تحتفل بالزائر رقم 40 مليون في 2011. أما في بلدي مصر.. فخذ عندك هذه العينة من الأخبار: *9 مليارات دولار خرجت خلال أشهر قليلة. *البورصة غير مستقرة وتتعرض لخسائر بالمليارات. *الاحتياطي النقدي يتآكل وفي طريقه لنقطة الخطر. *1200 مصنع اغلقت أبوابها منذ 11 فبراير. وهذه عينة سريعة من أخبار أخرى: *الكشف عن مخطط تخريبي في الاحتفال بذكرى 25 يناير يستهدف جر البلاد لفوضى أوسع، واشتباكات دامية مع الجيش لجر التدخل الدولي. *الثائر أحمد دومة أكد أنه ألقى زجاجات المولوتوف على جنود الجيش في مبنى مجلس الشعب خلال أحداث شارع قصر العيني . *الشيخ عبدالباسط الفشني أحد أئمة الأوقاف المتواجدون بالتحرير أكد أن سبب الفتنة بين الشعب والجيش بعض الشخصيات وعلى رأسهم نجيب ساويرس ، وممدوح حمزة ، و د. محمد البرادعي. *د. كمال الجنزوري رئيس الوزراء يقول أن سياسيين طلبوا عقد لقاء معه بشرط أن يتم خارج مجلس الوزراء. وعلق : "لست المندوب السامي للاحتلال". *مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية تقول: المأزق الذى تمر به مصر لا يليق بها. المصريون أساءوا إلى هذا الأرض المقدسة. * وفي الفيسبوك تقرأ الآتي : ميليشيات طنطاوي، وكتائب طنطاوي، في إشارة إلى الجيش المصري ، كأنه صار مثل ميليشيات حزب الله، وكتائب القذافي. *تفكيك مصر، وإسقاط الدولة، وتحطيم الجيش القلب الصلب للبلد لإعادة بنائها من جديد لتحقيق أهداف الثورة. أي يراد لمصر أن تسير على طريق العراق مثلا. إذا أخذنا نرصد تلك النوعية من الأخبار السلبية، والمواقف المتطرفة في "مصر الثورة" فلن ننتهي ،وهي تعكس عمق الأزمة التي تعيشها البلاد ، وهي أزمة من صنع فريق من المصريين ،وإذا كان يمكن معالجة الأخبار السلبية عن الوضع الاقتصادي ، فالمشكلة هي في التصعيد الذي يمارسه دعاة الفوضى والتخريب الذين يتدثرون بعباءة الثورة ، بينما نواياهم خبيثة ،ويجب وقفهم عند حدهم، والضرب بأيدي من حديد على من يريد العبث بالدولة وكيانها ومقدراتها وجيشها. وإذا كانت الثورة تعني الفوضى، وهدم أركان الدولة، فمن الأفضل ألا تكون قد قامت . وضع مصر الآن غاية في الخطورة يتسبب فيه نفر قليل من أبنائها، وقد صاروا خطرا على الثورة، وعلى الشعب الصابر الصامد الرافض لسلوكيات النفر الذي يستوطن التحرير، والشوارع المحيطة به في أغرب مشهد تعيشه القاهرة وكأن مصر تحت الاحتلال. عندما نقارن تلك الصورة التي تأتي عكس ما هو مأمول من الثورة والتغيير والتي تدفع المصريين الى اليأس بل والرفض والكراهية لثورته، عندما نقارن ذلك بما قرأناه عن صادرات كوريا الجنوبية من رقم كبير جدا في العام الجديد فإن أي مصري لابد أن يحزن، ويزداد الحزن عندما تكون هونج كونج قبلة للزوار ، بينما يهرب الزوار من مصر. كوريا الجنوبية من الاقتصادات الأسيوية والعالمية الكبيرة، والمنتجات الكورية أصبح لها سمعة عالمية محترمة ،وهي عندي موثوق فيها أكثر من المنتجات الصينية. رقم صادرات ضخم اتمنى أن تتجاوزه مصر بعد أن تستقر وتبدأ الديمقراطية والنهوض الاقتصادي الكبير لتكون نمرا على النيل فعلا .لكن نحن المصريين نضيع الوقت فيما لا يفيد . الفترة الانتقالية منذ 11 فبراير وإلى نهايتها مطلع يوليو2012 كانت كافية جدا للانتهاء من وضع أقوى الأساسات للدولة الجديدة، وبالتوازي مع ذلك كان يمكن قطع شوط معقول في دراسة وحل الأزمات والملفات الأساسية الاقتصادية والاجتماعية، لكن الحاصل أنه مع نهاية الفترة الانتقالية - إذا انتهت على خير- سيكون فقط لدينا برلمان، ورئيس منتخب، يستلمان اقتصادا مدمرا تقريبا، ومصانع مغلقة ،وسياحة شبه متوقفة ، واستثمار خائف من المجيئ ، وانقسامات وصراعات سياسية مقلقة ،أي وضع بائس أعادنا سنوات للوراء، وصار أسوأ مما كان عليه في أواخر عهد النظام السابق . وإذا انتكست مصر فيصعب أن تقوم لها قائمة في هذا القرن ،وإذا انطلقت فلن يوقفها أحد. في بداية الخمسينيات خرجت كوريا الجنوبية من حرب أهلية مدمرة مع نصفها الآخر كوريا الشمالية كما خرجت اليابان محطمة من الحرب العالمية الثانية ،وتحررت مصر من الاحتلال الانجليزي.. فماذا حصل ؟. اليابان مارد اقتصادي، وتلحق بها كوريا، بينما مصر في وضع بائس تتحرك خطوة للأمام وتعود خطوات للوراء ،علما بأن مصر كانت في حال أفضل من هذين البلدين عند ضربة البداية. الإرادة والجدية والحكم الرشيد والديمقراطية والمحاسبة والشفافية هو الذي جعل نمور آسيا تتفوق وتوفر حياة كريمة لشعوبها ،بينما نحن في مصر مازلنا نقف في طوابير للعيش والغاز، ونخرب بلدنا بأيدينا . بدل التكاتف لعبور المرحلة الانتقالية بسلام نجد أيادي مصرية تدمر باسم الثورة. أما هونج كونج التي تحتفل بوصول زائرها ال 40 مليون خلال 2011، فقد كانت مستعمرة بريطانية حتى عادت للصين الوطن الأم منتصف التسعينيات من القرن الماضي من دون حرب ،ومن ذكاء الحكومة الشيوعية أنها تركتها تدار كما كانت تحت الإدارة البريطانية حتى لا تفقد مركزها التجاري والمالي والسياحي العالمي، وبالفعل مازالت تحتفظ بمكانتها المالية والسياحية العالمية رغم أنها لا تملك أية آثار أو حضارة أو تاريخ بعكس مصر التي تملك ثلث آثار العالم ،كما تملك الشمس والهواء والطبيعة الخلابة ، ومع ذلك تقف في الذيل في حركة السياحة التي تضررت كثيرا بعد الثورة. نحن لا نحترم تاريخنا ونفشل في تسويقه، كمالا نحترم ضيوفنا، ونحن أسوأ واجهة لآثارنا وسياحتنا وتاريخنا. سمعة مصر السياحية في تراجع والانفلات الأمني جعل السياحة تتدهور أكثر، ولا حل إلا بالاستقرار، وبالتعامل المحترم الراقي مع السائحين بدل أسلوب التسول والابتزاز. المسافة بين مصر، وبين كوريا الجنوبية، وهونج كونج تتسع، وهذا لا يليق بمصر. [email protected]