كغيرها من المظاهرات الكبيرة انتهت مظاهرة الجمعة الماضية ، جمعة الحرائر ، سلمية كما بدأت سلمية ، وكما كانت جميع المليونيات أو المظاهرات الكبرى قبلها ، تبدأ سلمية ، وتتحرك سلمية ، وتنتهي سلميه ، فقط التجمعات الصغيرة والمظاهرات التي ينظمها مجموعات صغيرة هي التي تنتهي بالعنف والصخب ويشوبها العنف وتنشر أجواء العنف وتعرف الدم والرصاص والفوضى ، هل يمكن أن يفسر لنا الحكماء دلالة هذه الظاهرة المتكررة . في تقديري أن المليونيات تكون عادة معبرة عن روح الثورة الحقيقية وأفكارها ومطالبها ، وإن تباينت المطالب ، إلا أنها في العموم تكون معبرة عن الثورة ، وأنه يصعب اختراقها بسهولة ، لأن المشاركة الشعبية الواسعة تهمش أي محاولات للاختراق أو جرف المظاهرة إلى العنف أو الفوضى ، كما أن روح الثورة تعرف دائما الإحساس بالمسؤولية والنظام وحرمة المنشآت العامة ، وأي محاولات نزقة لا مكان لها في هذا المحيط الواسع من البشر ، وعندما تنفض المليونيات وتنحسر الأعداد ، تحاول مجموعات صغيرة استثمار المليونية من أجل فرض أمر واقع في الميادين ، لم يوافق عليه غالبية أبناء الثورة الذين يكونون قد غادروا الميدان بالفعل ، ثم تبدأ هذه المجموعات الصغيرة اختراع مواقف عنيفة ومستفزة للناس والمارة والشرطة والجيش وكل من يقترب منهم ، أو بالأحرى كل من يقتربون منه ، لأن المجموعات الصغيرة المتطرفة تبدأ في عمليات تحرش متوالية ، مثل أن تترك الميدان وتحاول الذهاب إلى وزارة الداخلية للاصطدام بالقوات التي تحمي الوزارة ، أو يذهبون إلى مجلس الشعب أو مقر الحكومة ومنع الوزراء ورئيس الوزراء والنواب من الوصول إلى مؤسساتهم ، وفي مثل هذه الأجواء المتوترة والمشحونة من كل الأطراف ، والمترعة بالاستفزاز ، تكفي شرارة صغيرة لكي توقد نارا ، يكفي أن يحتك أحدهم بضابط أو جندي فيضربه أو يسبه فيرد الآخر بجرحه أو إهانته ، فتجد الكل يضرب في الكل وتبدأ "خفافيش" تترصد للمشهد وتستعد لتلك اللحظة للدخول في هذه الفوضى من أجل إضرام الحرائق في كل شيء وتحويل المشهد السلمي إلى مسخرة أمام العالم ، وتعبير "مسخرة" استخدمه أكثر من كاتب أجنبي هذا الأسبوع في وصف ما يحدث ، وبعد أن نجح "المتطرفون" في أن يضيعوا الهيبة والبهاء والقدسية التي كان عليها ميدان التحرير أيام الثورة الحقيقية ، الآن تحول المشهد إلى بلطجية وأولاد شوارع وقنابل مولوتوف وشتائم وبذاءات وحاجة "تعر" فعلا . والمتطرفون في الميادين ، والإعلام الانتهازي الذي يتدثر بثياب زور للمزايدة على الثورة ، بعد أن ظهرت الفضائح والمساخر في تلك المواجهات "الصغيرة" وبعد أن ظهرت صور البلطجية وأولاد الشوارع ، لم يجد ما يدافع به عن المشهد سوى أن يشمل بحنانه وعطفه أولاد الشوارع ، فضمهم إلى الثوار !! ، وقريبا سنسمع الخطوة التالية ، وهي الدفاع عن البلطجية الثوار ، طالما أن المسألة تحولت إلى مزايدات وانتهازية وحملات إرهاب متتالية لأصوات العقل والاعتدال . [email protected]