وصف الدكتور طارق الزمر، رئيس حزب البناء والتنمية، الذراع السياسية للجماعة الإسلامية، حالة العزوف الجماعي التي شهدتها لانتخابات البرلمانية بأنها "ثورة جديدة" امتداد للثورة الأم "ثورة يناير"، وهى ثورة ابتدعها الشعب المصرى فى مواجهة آلة القمع وعمليات النهب ومحاولات سرقة الإرادة الشعبية بعد سرقة لقمة العيش. وأشار الزمر، خلال مقال له على صفحته الشخصية بموقع التواصل الاجتماعى "فيس بوك"، إلي أن الحقيقة أن رافضى النظام لم يفاجئوا بهذا العزوف شبه الكامل عن الصناديق رغم كل العوامل والإغراءات والتهديدات التى أتاحها النظام لمتعهدى البرلمانات كى يمارسوا دورهم وما أتاحه لهم من استغلال حاجة الفقراء الذين هم غالبية الشعب وما وفره لهم من وسائل ابتزاز الناخبين والضغط على كرامته، وذلك لأن الإحساس بالكرامة التى فجرتها ثورة يناير فى وجدان المصريين لا تزال كامنة فى الصدور متربصة بكل من يتعالى على الشعب أو يحاول امتهانه أو سرق إرادته. وأضاف، لكن هل فوجئ النظام وأركان حكمه بهذا العزوف أم أنه كان يتوقعه؟ وهنا يجب أن أؤكد أن الطغاة يحتقرون شعوبهم ولا يتصورون لهم كرامة ومن ثم يتخيلون أنهم يتلاعبون بأحلامهم وآمالهم ويغسلون أدمغتهم بأى شىء حتى لو كان ماءاً ملوثًا كالذى يسقونه لهم.. لكن مكر الله بالطغاة يكمن حقيقة خلف هذا الطغيان الذى يعمى ويصم عن كل الحقائق فينقلب السحر على الساحر فى لحظات تكون هى صاحبة القول الفصل فى تقرير مصير الأمم وتحديد وجهتها ورسم مستقبلها. وتابع، هنا يجب أن نقف عند الأسباب الحقيقية لرفض الشعب هذه الأوضاع وإعلانه الثورة عليها من جديد: وأولها.. هو رفض عملية الاستغفال التى يمارسها الطغاة بحق شعوبهم حيث يلقون بأصواتهم فى البحر وربما فى أماكن أكثر وضاعة ثم يجيئون إليهم بصناديق أخرى يقولون لهم صوّتوا من جديد فلم يعجبنا تصويتكم !!. وثانيها.. رفض عملية النصب التى تترجمها هذه الانتخابات بأوضح عبارة حيث تتطلب التصويت على ذات النظام الذى خرج عليه الشعب فى 25 يناير ويا للعجب وذات الأشخاص (العواجيز) الذين أذلوا الشعب على مدى ثلاثين عاما وسرقوا لقمة عيشه ووقفوا يتفرجون عليه يأكل من القمامة ثم هاهم يعاودون الكرة وكأنهم لا يتلذذون إلا بالرشف من دمائه.
وثالثها.. اعتراضًا على الأداء السياسى الردىء الذى ظهر به الحكام وأعوانهم وأجهزتهم وأبواقهم الإعلامية وهو أداء لا يرجع لطبيعة نظم الطغيان والفساد فحسب بل زاد عليها احتقار الشعب وعدم الاحتفال بمعاناته ولا اهتماماته ومشاغله أو مشاكله فهم جاءوا لمهمة محددة أعمتهم عن كل مهام الدولة وواجبات النظم الرشيدة وهى مهمة السطو على الثروات وربما تجفيف منابعها هذه المرة. ورابعها.. اعتراضًا على القمع المفتوح والاعتقال الواسع النطاق واستباحة الدماء التى لم تشهدها مصر من قبل وهو ما دخل كل بيت ولم يحرم منه شارع فضلا عن كل قرية أو مدينة وهو ما أحال أحلام الأمهات إلى كوابيس وملاعب الأطفال إلى سرادقات عزاء وأصبحت نزهة الزوجات الوحيدة هى الطوابير أمام السجون والمعتقلات. خامسها.. احتجاجًا على تردى الأوضاع المعيشية للمواطن والتى بلغت درجات خطيرة فى العديد من المحافظات وذلك فى كل المجالات ابتداء من الخدمات ومرورا بالأسعار والبطالة ووصولا للأجور والمرتبات والمعاشات بل والعدوان على موظفى الدولة بواسطة قانون الخدمة المدنية. سادسها.. رفضًا للعدوان على الشباب والذين هم غالبية المجتمع ولهذا فلا غرابة أن يكونوا هم قاطرة المقاطعة وهو ما وضح جليا منذ مقاطعتهم لانتخابات الرئاسة.. ومظاهر العدوان على الشباب كثيرة لا تغفلها عين ابتداء من قطع الطريق أمام مستقبلهم وإغلاق الباب أمام كل طموحاتهم واعتقال السياسيين منهم من كل التيارات وقتل المتظاهرين ومطاردة الألتراس بل إنك لن تخطئ إذا قلت: إن كل التحولات الجارية فى مصر إنما تستهدف طحن الشباب وسحقهم حتى لا يكون هناك احتمال لثورتهم مرة أخرى. سابعها.. تنديدًا بأحكام الإعدام بالمئات والتى أصبحت محلا لتندر العالم وسخريته من "أم الدنيا" وهى أحكام لم تقف أمام شىء ولم تحترم شيئا فكانت صادمة لشعور الشعب وصادمة لحلم ثورته فى 25 يناير وكان على رأس هذه الصدمات الحكم بإعدام أول رئيس ينتخبه الشعب بشكل حر وهو ما لا يعنى سوى رسالة احتقار للشعب الذى انتخبه فضلا عن الحكم بإعدام النساء ومئات الشباب النابغ. ثامنها.. اعتراضًا على عملية الاستخفاف بالدستور بعد أن تم الترويج له بشكل غير مسبوق واعتباره أعظم دستور فى العالم وربما فى التاريخ ثم يأتى تصريح كبيرهم ليهدم كل ما تم الترويج له وتسارع أبواقه للتبرير القبيح لتعديله بل وجعل هذا التعديل هو أهم أولويات البرلمان. تاسعها.. ردًا بليغا مفحما للإعلاميين الذين يصرخون على مدى أكثر من عامين كى يركع الجميع للمنقذ الجديد ويذعنوا لكل ما يقول ويسلموا بسيادته المطلقة فجاء الرد قاسيا _عليه وعليهم_ ولا سيما أنه قد ناشد الشعب بنفسه كى يشارك فى التصويت. عاشرها.. رسالة قوية لكل القوى السياسية المخلصة: أن الشعب لا يزال حاضرًا وأنه ينتظر لحظة الوثوب لإنقاذ البلاد من الديكتاتورية والفساد فإذا أردتم ألا تفوتكم هذه اللحظة فاستعدوا بالاصطفاف حول هموم أمتكم وقضايا ومشكلات شعبكم..