حالة من التضارب يعيشها المصريون، في ظل الفتاوى المتباينة لعلماء ومشايخ تابعين للمؤسسة الدينية الأعرق "الأزهر الشريف"، بالتزامن مع استعدادات الدولة لإجراء أول انتخابات برلمانية في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي، والتي بدأت اليوم بتصويت المصريين المقيمين في الخارج، وقبل ساعات قليلة للمرحلة الأولى من العملية الانتخابية، حيث ظهر ذلك الصراع جليًا بين ذوي العمائم بشأن الانتخابات من تحريم المشاركة فيها بحجة أنها تأتي لتدعيم نظام ظالم على حد وصفهم، وتأثيم تاركها وتشبيه مقاطعتها بترك الصلاة، وهو ما اعتبره عدد من النشطاء بتوظيف الدين لأغراض سياسية. وكان ائتلاف يضم 5 كيانات أزهرية، أصدر فتوى شرعية بحرمة المشاركة في الانتخابات البرلمانية المقبلة. وأكد الائتلاف الذي يضم عددًا كبيرًا من مشايخ وعلماء الأزهر، في بيان له، أن عملية الانتخابات البرلمانية القادمة باطلة شرعًا، ويحرم المشاركة فيها بكل الصور، مشددًا على دعوة جموع الشعب المِصْري لمقاطعتها جملة وتفصيلاً. وأوضح البيان الصادر عن كل من (أبناء الأزهر الأحرار - الاتحاد العالمي لعلماء الأزهر - نقابة الدعاة المصرية - اتحاد شباب الأئمة والوعاظ بالخارج - علماء ضد الانقلاب بأوروبا)، أن المشاركة في هذه الانتخابات بأية صورة من صور المشاركة تساعد الطغاة في تثبيت أركان حكمهم، وضياع حقوق دماء الشهداء والإفراج عن الأبرياء، ومحاكمة من اغتصب النساء، ويشاركه في الدماء التي أسيلت في رابعة والنهضة وغيرهما. واعتبر البيان أن المشاركة نوع من التعاون على الإثم والعدوان الذي نُهينا عنه شرعًا، كما قال تعالي: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}. وفي المقابل، أطلق الدكتور أحمد عمر هاشم، عضو هيئة كبار علماء الأزهر، ورئيس جامعة الأزهر الأسبق، فتوى أكد فيها أن الممتنع عن التصويت آثم شرعًا، لأنه بذلك يكون قد منع حقًا واجبًا عليه لمجتمعه الذي يطالبه بأداء الشهادة لمن قدم نفسه للخدمة العامة بترشيح نفسه للمجلس التشريعي، وذلك لبيان مدى صلاحيته لهذه المهمة القومية والوطنية من خلال هذه الشهادة. وكان هاشم قد تعرض لانتقادات واسعة بعد التصريحات المنسوبة له، خلال مشاركته في أحد المؤتمرات الدعائية لقائمة "في حب مصر"، والتي قال خلالها إن الملائكة تحف بمرشحي هذه القائمة، لأن نواياهم سليمة، ما أثار الرأي العام، حتى نفاه في تصريحات رسمية. كما حرم الدكتور عبدالله النجار، عضو مجمع البحوث الإسلامية التابع للأزهر الشريف، مقاطعة الانتخابات البرلمانية، واصفًا الداعين للمقاطعة ب"المجرمين" وأن لديهم أجندات خبيثة ضد الإسلام، مشددًا على أنه واجب شرعي لا يقل عن أداء الصلاة، ومن لم يشارك كمن ترك صلاة واجبة لا قضاء لها، مما دفع الإعلامي خالد تليمة، لانتقاد قيام بعض مشايخ الأزهر الشريف، بإصدار فتوى تفيد تشبيه من سيمتنع عن نزول الانتخابات بتارك الصلاة، قائلًا: "ده شغل إخوان، وحزب وطني، واللى بيحصل دا عيب". وناشد "تليمة"، خلال برنامج "صباح أون" المذاع عبر فضائية "أون تي في"، رجال الدين بعدم خلط الدين بالسياسة، مشيرًا إلى أن الانتخابات البرلمانية عملية سياسية، بعيدة كل البعد عن الآراء الدينية، مضيفًا: "رجال الدين خليهم بالدين وميتكلموش في السياسة من الناحية الدينية". ورفض القائم بأعمال رئيس حزب "التحالف الشعبي" مدحت الزاهد أيضًا فتوى الدكتور عبدالله النجار، مؤكدًا أن "مثل هذه الأقوال تصب في خانة تسييس الدين وتديين السياسة، وهو ما يخدم التطرف بإضفاء صفات الحلال والحرام على ممارسة سياسية تدخل في باب الحرية الشخصية والاجتهاد"، قائلًا إنَّ "آخر ما نحتاج إليه في مواجهة التطرف تشبيه فريضة الصلاة بالموقف من المشاركة في الانتخابات". وأضاف: "التأويل المتزايد للدين لصالح السياسة بمثابة لعب بالنار يفضي في النهاية إلى التكفير، وأن دعوة عبد الله النجار مثلها مثل الفتاوى العكسية التي كان يطلقها شيوخ السلفية وقيادات حزب النور في فترة سابقة باعتبار المشاركة في الانتخابات أثم ومفسدة وخروج على تعاليم الدين". وأشار إلى أن "مثل هذه الفتاوى تضر بالدين ولا تفيده وتفقد الناس الثقة في رجال الدين، وفي العملية السياسية عندما يمتطيها التجار بالدين"، مشددًا على أن التحالف الشعبي يدعو المواطنين إلى المشاركة في الانتخابات كرئة للتغيير والتعبير عن الأهداف التى طرحتها الملايين في ساحة البرلمان وكل ساحات العمل الديمقراطي، مضيفًا: "لا يحتكر الحلبة تجار السياسة وتجار الدين".