ال 11.. بلدية المحلة يعلن إقالة أحمد عبد الرؤوف بعد تذيل دوري المحترفين    تنس – السعودية تستضيف بطولة ماسترز 1000 نقطة بدءا من 2028    انتخابات الأهلي - الخطيب: دورنا غلق الإدارة على أبناء النادي الذين يعرفون قيمته وثوابته    25 فرقة مصرية وأجنبية تشارك في اليوبيل الفضي لمهرجان الإسماعيلية    الحكومة تدرس إعفاء حملة وثائق صناديق الاستثمار بأنواعها من الضرائب على الأرباح    الرقابة المالية تلزم الشركات والجهات العاملة في الأنشطة المالية غير المصرفية بتعزيز بنيتها التكنولوجية والأمن السيبراني لديها    «إكسترا نيوز»: ما يدخل غزة لا يزال نقطة في محيط الاحتياج الإنساني| فيديو    شيخ الأزهر يستقبل رئيس هيئة الأركان البريَّة الباكستانيَّة لبحث تعزيز التعاون المشترك    حكم نهائي.. استبعاد هيثم الحريري من انتخابات مجلس النواب بسبب موقفه التجنيدي    لجنة "السياسات الإعلامية" تعقد أولى اجتماعاتها برئاسة خالد عبد العزيز    الزمالك يتقدم بشكوى ضد أسامة حسني للمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام    تحويلات مرورية جديدة شرق الإسكندرية من غد الجمعة ولمدة 15 يوما    حنان مطاوع تكشف شعورها بعد ترشح فيلمها «هابي بيرث داي» ل الأوسكار    «في الحركة حياة» ندوة وورشة عمل بمكتبة الإسكندرية    هل تأخير صلاة الفجر عن وقتها حرام؟| أمين الفتوى يجيب    نائب وزير الصحة يوجّه بإنشاء عيادات جديدة لخدمة أهالي وسط سيناء    تمارين مثبتة علميا تساعد على زيادة طول الأطفال وتحفيز نموهم    معجنات الجبن والخضار.. وصفة مثالية لوجبة خفيفة تجمع بين الطعم وسهولة التحضير    وزارة التضامن تحدد آخر موعد للتقديم في حج الجمعيات الأهلية 2026    محافظ كفر الشيخ: تسهيلات غير مسبوقة للجادين وإزالة معوقات التقنين لتسهيل الإجراءات    الأنبا إبرهام: الوحدة المسيحية تحتاج إلى تواضع وحوار ومحبة حقيقية    العاصمة الإيطالية روما تستقبل معرض "كنوز الفراعنة"    مساعد وزير الخارجية المصري: الاتحاد الأوروبي أصبح شريكًا اقتصاديًا بمعنى الكلمة لمصر    عبد المنعم سعيد: الحزب الجمهوري يرفض إرسال جنود أمريكيين لمناطق نزاع جديدة    نائب ترامب: الرئيس سيعارض ضم إسرائيل للضفة.. وذلك لن يحدث    محافظ بني سويف يتفقد مستجدات الموقف التنفيذي لأعمال المرحلة الثانية من تطوير نادي سيتي كلوب    التشكيل الرسمي لمنتخب مصر للسيدات أمام غانا في تصفيات أمم إفريقيا    محافظ سوهاج يتفقد فعاليات وأنشطة مبادرة " أنت الحياة " بقرية نيدة بأخميم    رسمياً.. الاتحاد يشكو حكم مباراته ضد الأهلي    حكم الشرع في خص الوالد أحد أولاده بالهبة دون إخوته    نادي الصحفيين يستضيف مائدة مستديرة إعلامية حول بطولة كأس العرب 2025    حصيلة ضحايا الحرب على غزة تتجاوز 238 ألفا و600 شهيد وجريح    أسعار النفط تسجل 65.94 دولار لخام برنت و61.95 دولار للخام الأمريكى    بيتصرفوا على طبيعتهم.. 5 أبراج عفوية لا تعرف التصنع    العثور على جثة «مجهول الهوية» على قضبان السكة الحديد بالمنوفية    ب«لافتات ومؤتمرات».. بدء الدعاية الانتخابية لمرشحي مجلس النواب في الوادي الجديد (تفاصيل)    فاليري ماكورماك: مصر مثال عظيم في مكافحة السرطان والتحكم في الأمراض المزمنة    الداعية مصطفى حسنى لطلاب جامعة القاهرة: التعرف على الدين رحلة لا تنتهى    الداخلية تواصل حملاتها لضبط الأسواق ومواجهة التلاعب بأسعار الخبز    رانيا يوسف تكشف الفرق الحقيقي في العمر بينها وبين زوجها: مش عارفة جابوا الأرقام دي منين!    السادة الأفاضل.. انتصار: الفيلم أحلى مما توقعته ولا أخشى البطولة الجماعية    النيابة العامة تنظم دورات تدريبية متخصصة لأعضاء "الأسرة".. صور    الجيش الثالث الميداني يفتتح مزار النقطة الحصينة بعيون موسى بعد انتهاء أعمال تطويره    بسعر 27 جنيهًا| التموين تعلن إضافة عبوة زيت جديدة "اعرف حصتك"    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 23-10-2025 في محافظة الأقصر    وزارة الدفاع الروسية: إسقاط 139 طائرة مسيرة أوكرانية خلال الليل    البنك الأهلي يحصد شهادة التوافق لإدارة وتشغيل مركز بيانات برج العرب من معهد «Uptime»    مستشار رئيس الجمهورية ومحافظ أسوان يشيدان بمستوى التجهيزات التعليمية والخدمات المقدمة للطلاب    حجز الحكم على البلوجر علياء قمرون بتهمة خدش الحياء العام ل29 أكتوبر    الصحة توقع مذكرة تفاهم مع الجمعية المصرية لأمراض القلب لتعزيز الاستجابة السريعة لحالات توقف القلب المفاجئ    ما حكم بيع وشراء العملات والحسابات داخل الألعاب الإلكترونية؟ دار الإفتاء تجيب    بن غفير يهدد بإعدام الأسرى الفلسطينيين داخل السجون.. فيديو    مقتول مع الكشكول.. تلميذ الإسماعيلية: مشيت بأشلاء زميلى فى شنطة المدرسة    شبكة العباءات السوداء.. تطبيق "مساج" يفضح أكبر خدعة أخلاقية على الإنترنت    محمد بن سلمان يعزى ولى عهد الكويت فى وفاة الشيخ على الأحمد الجابر الصباح    محمد صلاح.. تقارير إنجليزية تكشف سر جديد وراء أزمة حذف الصورة    سعر اليورو مقابل الجنيه المصري اليوم الخميس 23 أكتوبر 2025 في البنوك المحلية    تهديدات بالقتل تطال نيكولا ساركوزي داخل سجن لا سانتي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



واجباتنا نحو إقامة صرْح الحضارة
نشر في المصريون يوم 24 - 12 - 2011

لقد بات من الضرورى ونحن نشهد طلائع مرحلة جديدة من حياة الشعوب العربية بعد "ربيع الثورات العربية" والتخلص من إصْر الديكتاتوريات والطغاة الذى أثقل كواهلها لعقود من التراجع والهزيمة.. أن نعيد ترتيب أولوياتنا وواجباتنا الحضارية.. وأن نعمق النظر فى تراثنا الفكرى والحضارى الذى هو سر قوة الحضارة الإسلامية التى استطاعت مقاومة عوامل الاندثار والتفكك على مدى تاريخها الطويل والعميق.
وأستطيع أن أقول: إنه ليس ثمة مسلم يستطيع أن ينكر أثر الإيمان أو العقيدة الصحيحة أو الإخلاص أو الطاعة فى إحراز النصر، وفى بناء الأمة الإسلامية، وتحقيق تفوقها الذى اعترف بتفرده كل المؤرخين المنصفين.
بيد أن الإيمان وحده، أو الإخلاص وحده، أو العقيدة وحدها.. كل ذلك لا يستطيع أن يصنع حضارة أو يقيم دعائم أمة قوية، ما لم يتفاعل مع واقع الحياة، وما لم يصبغ سلوك الناس وفعاليتهم بإيجابية قوية تمتد إلى كل نواحى الحياة.
إن الإيمان ليس مجرد إحساس سلبى، بل هو حركة فى اتجاه الآخرين، وفى اتجاه الذات، وفى اتجاه الكون، وهى حركة تزيد وتنقص حسب درجة الإيمان.. وبما أن الكون كلٌ مركب، والذات كل متشابك، والآخرون تتعقد العلاقة معهم، فإن الإسلام- بما أنه كذلك دين شمولى- يغذى كل الطاقات، ويحدّد إطاراً منهجيّا للتعامل مع المستويات المختلفة، ويحدد قيماً تحكم كل النشاطات.
وعندما جاء الإسلام كان العرب يجنحون إلى البيان والشعر، ويرون أن الاشتغال بالحرف والصناعات (ما عدا صناعة الغزل والنسيج) أو العلوم الطبية أو الفلاحة من خصائص الطبقات الدنيا، فحارب "الرسول صلى الله عليه وسلم" هذه العادات الجاهلية بأحاديثه الشريفة الكثيرة حول فضل الزراعة والاحتراف، والعمل اليدوى: "ما كسب الرجل كسباً أطيب من عمل يده" (رواه ابن ماجة). وبسلوكه- أيضاً- حيث احترم الحرفيين والصنّاع، ودفع بابنه إبراهيم إلى زوجة (أبى سيف) العبد الحداد كى ترضعه، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يتردد على أبى سيف وهو ينفخ فى كيره، وقد امتلأ البيت بالدخان، كما روى ابن عبد البر فى "الاستيعاب".
وحينما دعاهُ خياط فى المدينة إلى طعام استجاب "الرسول صلى الله عليه وسلم"، واصطحب معه أنس بن مالك، ولم يكن العرب- فى جاهليتهم- يقبلون ذلك.
وقد اشترك "الرسول صلى الله عليه وسلم "مع أصحابه فى بناء مسجد قباء، ومسجده الشريف، وكان يحمل على ظهره من الحجارة مثلما يحملون أو يزيد.
وقد اهتم "الرسول صلى الله عليه وسلم" بالتعليم الشامل منذ استقرت قواعد الإسلام فى المدينة تطبيقاً لقوله تعالى: (اقْرأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِى خَلَقَ) (العلق:1)، وقد اشتهر كُتاب الوحى، واشتهر عن أصحاب الصفة رضى الله عنهم- أن بعضهم كان يتعلم القراءة والكتابة، وكان معلمهم عبادة بن الصامت، وقد أهداه أحدهم قوسه مكافأة له على تعليمه إياه وقد أمره "الرسول صلى الله عليه وسلم" بردّه، وبعد وقوع غزوة بدر كانت هناك مجموعة من الأسرى من كفار قريش يحسنون القراءة والكتابة، ولما لم يكن لديهم مال، ليفتدوا به أنفسهم قبل الرسول صلى الله عليه وسلم منهم أن يعلّم الواحد منهم عشرة من الغلمان الكتابة، مقابل أن يطلق سراحه، فتعلم يومئذ الكتابة جماعة من غلمان الأنصار منهم كاتب الرسول صلى الله عليه وسلم زيد بن ثابت، وكان ذلك العلم سبباً فى كثرة الكتّاب بالمدينة.
وقد كان عدد الكتّاب المعروفين بكتابتهم للرسول سبعة وأربعين كاتباً، وكانت حاجة المسلمين للكتابة تتطور تبعاً لتطور الدولة الإسلامية فى عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يطلب بعض الإحصاءات من كتّاب الصحابة، فقد ورد فى الحديث عن حذيفة قال: (اكتبوا لى من تلفَّظ بالإسلام من الناس. فكتبنا له ألفاً وخمسين رجلاً).
وقد شجع الرسول صلى الله عليه وسلم صناعة الطب والتمريض والصيدلة بأحاديثه التى تُعلم الناس أن يبحثوا عن العلاج: "ما أنزل الله داءً إلا أنزل له شفاء" (رواه البخارى)، ولقد داوم الرسول صلى الله عليه وسلم على التطّبب لنفسه فى صحته وفى مرضه، وكان لرسول الله صلى الله عليه وسلم دور كبير فى إيضاح كثير من الأمور الطبية للناس بوحى من الله، سواء فى ذلك الطب العلاجى أم الطب الوقائى، كما أن الرسول صلى الله عليه وسلم نفى كثيراً من الخرافات التى كان الناس يتداولونها من الطيرة والتشاؤم وغيرهما.
وفى مجال صناعة السلاح شجع الرسول صلى الله عليه وسلم الصحابة على صناعته، وقد جعل الإسلام للقوس دوراً كبيراً وركز على الاهتمام به، فحين نزل قوله تعالى: (وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الخَيْلِ) (الأنفال:60)، فسر الرسول صلى الله عليه وسلم (القوة) فقال: "ألا إن القوة الرمى، ألا إن القوة الرمى" (رواه مسلم).
وعلى هدى من تعاليم الإسلام، قرآناً وسنة، سار الراشدون والأمويون، ولا شك أن خبرتهم كانت قد اتسعت، بحكم احتكاكهم بما عند الفرس والروم من معارف وعلوم وتقنيات، وأيضاً بحكم الحاجة والتحدى وهما شاحذان قويان للفعالية والإبداع..
ومما لا شك فيه عندنا أن انتصارات المسلمين لم تقم على عقيدة تحملها عقول جاهلة فارغة.. كما أن معرفة الكتابة والقراءة ليست المصدر الوحيد للمعرفة، فقد علّم الرسول صلى الله عليه وسلم المسلمين، وهو أمىّ وهم كانوا- كذلك- أمة أُميّة لا تكتب ولا تحسب.. وهذه الأمية حالة لا يقاس عليها ولا يتأسى بها؛ بل هى واقع فرض نفسه وسعى المسلمون إلى تغييره..
ولئن كان المسلمون فى مرحلتى الراشدين والأمويين مشغولين بتغيير العالم وتعليمه، فإن هذا التغيير لا يمكن أن يتم إلا على أكتاف رجال غيروا أنفسهم (عقولاً وقلوباً) وقدموا النموذج الأرقى فى عوالم الخير والإرادة والفكر والمادة والأخلاق.
والإرادة ليست شيئاً قابعاً فى داخل النفس، بل هى- إذا كانت إرادة صادقة جازمة- يرتبط بها وقوع الفعل.. قال الإمام أحمد بن تيمية فى جواب سؤال عن الهمّ والعزم والإرادة: (الإرادة الجازمة هى التى يجب وقوع الفعل معها إذا كانت القدرة حاصلة، فإنه متى وجدت الإرادة الجازمة مع القدرة التامة وجب وجود الفعل؛ لكمال وجود المقتضى السالم عن المعارض المقاوم، ومتى وجدت الإرادة والقدرة التامة ولم يقع الفعل، لم تكن الإرادة جازمة).
ومما يوضح هذا أن الله سبحانه وتعالى رتّب فى القرآن الثواب والعقاب على مجرد الإرادة فقال: (مَن كَانَ يُرِيدُ العَاجِلَة عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيد) (الإسراء:18).
وقال: (مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِى حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِى الآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ) (الشورى:20).
والأخلاق ترتبط بالجهد والوعى والسعى الدءوب لصياغة الحياة وفق تركيب معين، وإحكام شبكة العلاقات الاجتماعية بنسيج خاص.. والأخلاق التى لا وظيفة لها فى الحياة مثل العلم الذى يقولون عنه: إنه محايد- فكلاهما أكذوبة كبرى لا تصمد أمام البحث الرصين.
ومع انتهاء عصر الفتوحات، وتوالى عصور الدولة الإسلامية، وبجهد علمى تألقت فيه الحواضر الإسلامية فى المدينة ودمشق وبغداد والقاهرة وبجاية والقيروان وفاس؛ وجد المسلمون بين أيديهم- كما يقول أحد الباحثين- تراثاً ضخماً سعوا إليه رجالاً وعلى كل ضامر، وأتوا للظفر به من كل فج عميق، وتحملوا فى سبيله كل عنت وإرهاق، فتمثلوه على وجه خاص ينبع من قيمهم الدينية والروحية، واستخدموه فى تعميق إيمانهم بالله وفى إنشاء وجهة نظرهم فى الكون والحياة والمصير، حتى لقد دخل فى نسيج تفكيرهم، واكتمل بحسب أصول عاداتهم ونظم معيشتهم وحاجات بيئتهم الاجتماعية والعقلية، وأصبح غذاء نافعاً يجد فيه كل طالب بغيته، وكل باحث ضالته.
وقد تألقت عقلية المسلمين العلمية والتطبيقية، ولولا نضج عقولهم لما أحسنوا هضم علوم اليونان وإعادة تقديمها- مع نقدها- بأسلوب رصين، وغربلة ما فيها ونفى باطلها وأساطيرها.
إن أمتنا تستحثنا لإسراع الخطى نحو بناء صرح الحضارة، والانعتاق من أَسْر مرحلة سوداء من التخلف والقهر.. إلى فضاء الحرية والتقدم والإبداع والتألق الحضارى من جديد..
فهل من مجيب؟
*هذا المقال هو آخر ما كتبه الراحل الكبير عبد الحليم عويس .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.